فِي كِتَاب مُسْلِم , قَالَ اِبْن حَزْم: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع لَا شَكَّ فِي وَضْعه , وَالْآفَة فِيهِ مِنْ عِكْرِمَة بْن عَمَّار , فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِف فِي أَنَّ
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا قَبْل الْفَتْح بِدَهْرٍ وَأَبُوهَا كَافِر , وَقَالَ أَبُو الْفَرَج بْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَاب الْكَشْف لَهُ: هَذَا
الْحَدِيث وَهْم مِنْ بَعْض الرُّوَاة , لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا تَرَدُّد , وَقَدْ اِتَّهَمُوا بِهِ عِكْرِمَة بْن عَمَّار رَاوِيه , وَقَدْ ضَعَّفَ أَحَادِيثه يَحْيَى بْن سَعِيد
الْأَنْصَارِيّ , وَقَالَ: لَيْسَتْ بِصِحَاحٍ , وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل: هِيَ أَحَادِيث ضِعَاف , وَكَذَلِكَ لَمْ يُخَرِّج عَنْهُ الْبُخَارِيّ , إِنَّمَا
أَخْرَجَ عَنْهُ مُسْلِم لِقَوْلِ يَحْيَى بْن مَعِين: ثِقَة. قَالَ: وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ هَذَا وَهْم , لِأَنَّ أَهْل التَّارِيخ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أُمّ حَبِيبَة كَانَتْ تَحْت
عُبَيْد اللَّه بْن جَحْش , وَوَلَدَتْ لَهُ , وَهَاجَرَ بِهَا وَهُمَا مُسْلِمَانِ إِلَى أَرْض الْحَبَشَة , ثُمَّ تَنَصَّرَ , وَثَبَتتْ أُمّ حَبِيبَة عَلَى دِينهَا , فَبَعَثَ
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيّ يَخْطُبهَا عَلَيْهِ , فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا , وَأَصْدَقَهَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَة آلَاف
دِرْهَم , وَذَلِكَ سَنَة سَبْع مِنْ الْهِجْرَة , وَجَاءَ أَبُو سُفْيَان فِي زَمَن الْهُدْنَة فَدَخَلَ عَلَيْهَا , فَنَحَّتْ بِسَاط رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَتَّى لَا يَجْلِس عَلَيْهِ , وَلَا خِلَاف أَنَّ أَبَا سُفْيَان وَمُعَاوِيَة أَسْلَمَا فِي فَتْح مَكَّة سَنَة ثَمَان , وَلَا يُعْرَف أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمَرَ أَبَا سُفْيَان. وَقَدْ تَكَلَّفَ أَقْوَام تَأْوِيلَات فَاسِدَة لِتَصْحِيحِ الْحَدِيث كَقَوْلِ بَعْضهمْ: إِنَّهُ سَأَلَهُ تَجْدِيد النِّكَاح عَلَيْهَا! وَقَوْل بَعْضهمْ:
إِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ النِّكَاح بِغَيْرِ إِذْنه وَتَزْوِيجه غَيْر تَامّ , فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُزَوِّجهُ إِيَّاهَا نِكَاحًا تَامًّا , فَسَلَّمَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاله , وَطَيَّبَ قَلْبه بِإِجَابَتِهِ!! وَقَوْل بَعْضهمْ: إِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ التَّخْيِير كَانَ طَلَاقًا , فَسَأَلَ رَجْعهَا وَابْتِدَاء النِّكَاح عَلَيْهَا!
وَقَوْل بَعْضهمْ: إِنَّهُ اِسْتَشْعَرَ كَرَاهَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا وَأَرَادَ بِلَفْظِ التَّزْوِيج اِسْتِدَامَة نِكَاحهَا لَا اِبْتِدَاءَهُ وَقَوْل بَعْضهمْ يَحْتَمِل
أَنْ يَكُون وَقَعَ طَلَاق فَسَأَلَ تَجْدِيد النِّكَاح! وَقَوْل بَعْضهمْ: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَبُو سُفْيَان قَالَ ذَلِكَ قَبْل إِسْلَامه , كَالْمُشْتَرِطِ لَهُ فِي
إِسْلَامه , وَيَكُون التَّقْدِير: ثَلَاث إِنْ أَسْلَمْت تُعْطِينِيهِنَّ!! وَعَلَى هَذَا اِعْتَمَدَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ فِي جَوَابَاته لِلْمَسَائِلِ الْوَارِدَة عَلَيْهِ , وَطَوَّلَ
فِي تَقْرِيره. وَقَالَ بَعْضهمْ: إِنَّمَا سَأَلَهُ أَنْ يُزَوِّجهُ اِبْنَته الْأُخْرَى , وَهِيَ أُخْتهَا , وَخَفِيَ عَلَيْهِ تَحْرِيم الْجَمْع بَيْن الْأُخْتَيْنِ لِقُرْبِ عَهْده
بِالْإِسْلَامِ , فَقَدْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى اِبْنَته أُمّ حَبِيبَة , حَتَّى سَأَلَتْ رَسُل اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ , وَغَلِطَ الرَّاوِي فِي اِسْمهَا. وَهَذِهِ
التَّأْوِيلَات فِي غَايَة الْفَسَاد وَالْبُطْلَان , وَأَئِمَّة الْحَدِيث وَالْعِلْم لَا يَرْضَوْنَ بِأَمْثَالِهَا , وَلَا يُصَحِّحُونَ أَغْلَاط الرُّوَاة بِمِثْلِ هَذِهِ الْخَيَالَات
الْفَاسِدَة , وَالتَّأْوِيلَات الْبَارِدَة , الَّتِي يَكْفِي في الْعِلْم بِفَسَادِهَا تَصَوُّرهَا , وَتَأَمَّلْ الْحَدِيث. وَهَذَا التَّأْوِيل الْأَخِير وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِر أَقَلّ
فَسَادًا - فَهُوَ أَكْذَبهَا وَأَبْطَلُهَا , وَصَرِيح الْحَدِيث يَرُدّهُ , فَإِنَّهُ قَالَ " أُمّ حَبِيبَة أُزَوِّجكهَا؟ قَالَ: نَعَمْ , فَلَوْ كَانَ الْمَسْئُول تَزْوِيج أُخْتهَا
لَمَا أَنْعَمَ لَهُ بِذَلِكَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَالْحَدِيث غَلَط لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّد فِيهِ وَاَللَّه ِأعلم
ّ
َ
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[05 - 04 - 02, 09:16 م]ـ
وفقك الله أخي فالح.
ما هي يا تُرى علّة الإسناد التي نتجت عنها علّة المتن هذه؟
¥