فابن عدي (ت 365هـ) قد أخرج الحديث في كتابه الكامل، عدة مرات بحسب الرواة المنتقدين في إسناده مع تعدد كلامه عنه، فمرة أخرجه في ترجمة سعد الأسكاف، وذلك من طريق ميمون بن الأصبغ عن عبيد بن إسحاق عن سيف بن عمر عن سعد الأسكاف، به بنحو رواية الفسوي المتقدمة، ثم علق عليه ابن عدي بقوله: ولو لم يرو سعد غير هذا الحديث لحكم عليه بالضعف، على أن هذا الحديث لم يروه عنه إلا سيف، وعن سيف "إلا" عبيد بن إسحاق، وجميعاً ضعاف، فلا أدري البلاء منهما، أو منه؟ ثم قال: وهو ضعيف جداً، يعني سعد الأسكاف.
(ينظر الكامل 3/ 1186 - 1188).
ويلاحظ أنه مع تصريحه بشدة ضعف سعد، إلا أنه توقف في جعل علة الحديث منه أو من الاثنين دونه وهما سيف، وعبيد.
وفي ترجمة عبيد بن إسحاق (ينظر الكامل 5/ 1986 - 1987) أخرج الحديث نفسه من طريق ميمون بن زيد الأصبغ عن عبيد عن سيف عن سعد الأسكاف به بمثل رواية الفسوي.
وعقب ابن عدي على الحديث بقوله: "وهذا بهذا الإسناد لا أعلم رواه غير عبيد هذا، ثم قال: وعامة ما يرويه، إما منكر الإسناد أو منكر المتن.
فهذا الكلام من ابن عدي عن روايات عبيد وعن تفرده برواية الحديث بهذا الإسناد، يفيد جعل علة الحديث راجعة إليه وحده.
لكنه قد أخرجه في ترجمة سيف مرة أخرى، من طريق يعقوب الفسوي عن عبيد بن إسحاق عن سيف عن سعد الأسكاف به، ثم علق عليه بقوله: وهذا حديث منكر موضوع، وقد اتفق في هذا الحديث ثلاثة من الضعفاء، فرووه: عبيد بن إسحاق .. ضعيف، وسيف بن عمر الضبي كوفي (ضعيف) وسعد الأسكاف كوفي (ضعيف) وهو أضعف الجماعة، فأرى، والله أعلم، أن البلاء من جهته. (الكامل لابن عدي 3/ 1271، 1272 وذخيرة الحفاظ لابن القيسراني بتحقيق الأخ الدكتور الفريوائي 4/ حديث 5002).
ويلاحظ هنا وضوح تصريحه أولاً بوصف الحديث بالنكارة والوضع، وبملاحظته وجود الرواة الثلاثة في إسناده متوالين وهم: عبيد عن سيف عن سعد، مع وصفه لهم بالضعف، ثم التصريح مع ذلك بقصر تهمة وضعه على سعد بن طريف وحده، مع تعزيز ذلك بتعليل اصطلاحي، وهو أن سعد أضعف الثلاثة الذين تفرد كل منهم برواية الحديث عمن فوقه.
فمثل هذا الوضوح في الرأي والتعليل الاصطلاحي له من ابن عدي في هذا الموضع يدل على أن هذا هو ما استقر عليه رأيه أخيراً بالنسبة لهذا الحديث، وتخصيص سعد الأسكاف وحده بوضعه.
ولعل مما يؤيد هذا أن سعداً هو المتفرد به من أعلى الإسناد، ولم يعرف له متابع.
كما أن مناسبة الحديث متعلقة به وبولده كما تقدم، وستأتي إشارة ابن عراق لذلك، وتقدم وصف ابن حبان لسعد بأنه كان يضع الحديث على الفور، وذكر الحديث مثالاً لمن كان يضع الحديث عند الحوادث التي تحدث.
ومن بعد ابن عدي أخرج الحديث ابن الجوزي في موضوعاته وقال: هذا حديث موضوع بلا شك،
وفيه جماعة مجروحون، وأشدهم في ذلك: سيف، وسعد، وكلاهما متهم بوضع الحديث، وسعد هو في هذا الحديث أقوى تهمة، قال ابن حبان: كان يضع الحديث على الفور. (الموضوعات لابن الجوزي 1/ 361، 362 وذكر له طرقاً ثلاثة عن عبيد بن إسحاق عن سيف عن سعد به).
(ويلاحظ أن تصريح ابن الجوزي هذا صادر منه هو، وهو شامل لسيف مع سعد، وإن كان برأ سيفاً من عهدة الحديث في بقية كلامه، كما ترى).
أما السيوطي في اللآلئ فأورد الحديث من طريق ابن عدي ثم قال: موضوع، وسيف وسعد وضاعان، وسعد (هنا) أقوى تهمة، قال ابن حبان: كان يضع الحديث على الفور. (اللآلي للسيوطي 1/ 199).
ويلاحظ أن وصف "سعد وسيف" بأنهما وضاعان" ليس في أصل كلام ابن الجوزي السابق.
وفي التنزيه: أورد ابن عراق الحديث واقتصر على قوله: وفيه سيف بن عمر وسعد بن طريف، وسعد هنا أقوى تهمة لأن سيفاً قال: كنت جالساً عند سعد بن طريف إذ جاء ابن له يبكي، فقال: مالك؟ فقال: ضربني المعلم، فقال: والله لأخزينهم اليوم، حدثني عكرمة عن ابن عباس، .. فذكره.
أما تقرير ابن نمير وابن حبان أن سيفاً اتهم بالزندقة، فالجواب عنه: أن التهمة لا تثبت إلا بدليل معتبر، ولم يذكر ابن نمير ولا ابن حبان، ولا غيرهما دليلاً، كما ترى.
¥