[الرد على أهل البدع]
ـ[معاذ جمال]ــــــــ[15 - 07 - 07, 03:41 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا} المائدة:3. يقول ابن كثير: (هذه أكبر نعم الله، عز وجل، على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم، صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خُلْف، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا} [الأنعام: 115] أي: صدقا في الأخبار، وعدلا في الأوامر والنواهي، فلما أكمل الدين لهم تمت النعمة عليهم؛ ولهذا قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} أي: فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام، وأنزل به أشرف كتبه.)
لكن طوائف ممن ينتسبون إلى الإسلام لم يرضهم ما ارتضاه الله سبحانه لهم، فأحدثت كل فرقة منهم في دين الله ما وافق مصالحها و أهواءها، و هذا من عظيم ما نهى الله تعالى عنه.
و مما لا يشك فيه مسلم خطورة البدعة و عظم شأنها قال تعالى: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} الكهف:103 - 104
و في الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: {من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد}
و قال أيضا: { .... من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء}
و لخطورة البدعة حذر منها علماء السنة، و نهو عن مخالطة أهلها، و أمروا بمفارقتهم و هجرهم، يقول الإمام البغوي رحمه الله: (قد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم عن افتراق هذه الأمة، و ظهور الأهواء و البدع فيهم، و حكم بالنجاة لمن اتبع سنته و سنة أصحابه رضي الله عنهم.
فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء و البدع معتقدا، أو يتهاون بشيء من السنن: أن يهجره و يتبرأ منه، و يتركه حيا و ميتا، فلا يسلم عليه إذا لقيه، و لا يجيبه إذا ابتدأ، إلى أن يترك بدعته و يراجع الحق.
و النهي عن الهجران فوق الثلاث فيما يقع بين الرجلين من التقصير في حقوق الصحبة و العشرة، دون ما كان ذلك في حق الدين، فإن هجرة أهل الأهواء و البدع دائمة إلى أن يتوبوا.)
أما إذا كانت البدعة خافتة مقموعة، و كان صاحبها منقمعا مكسور النفس، فلا يجب أن تشاع بدعته بذكرها، بل يكتفى بالسكوت عنها حتى تخبو.
يقول الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله: "نصيحتي لكل مسلم سلم من فتنة الشبهات في الاعتقاد: أن البدعة إذا كانت مقموعة خافتة، و المبتدع إذا كان منقمعا مكسور النفس بكبت بدعته، فلا يحرك النفوس بتحريك المبتدع و بدعته؛ فإنها إذا حركت نمت و ظهرت، و هذا أمر جبلت عليه النفوس، و منه في الخير: أن النفوس تتحرك إلى الحج إذا ذكرت المشاعر، و في الشر إذا ذكرت النساء و التغزل و التشبيب بهن تحركت النفوس إلى الفواحش."هجر المبتدع:
و أما إذا كانت البدعة متفشية، مستفحل أمرها، و كان لدعاتها صيت و كلمة مسموعة، و أتباع ينافحون عنها و يقومون بنشرها بين المسلمين، فإن أمر بيان حال هذه الطائفة، و رد بدعها، و طمس أباطيلها، و دحض شبهها، يصير واجبا شرعيا تفرضه الديانة، لما فيه من حفظ للدين و نصح للمسلمين.
و الرد على أهل البدع، و كشف زيوفهم، و إبطال شبهاتهم؛ من أهم أصول الدين، ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة. و هذا أمر تقرر عند أهل العلم و بينوه أتم بيان، يقول ابن القيم رحمه الله: (اشتد نكير السلف و الأئمة للبدعة و صاحوا بأهلها من أقطار الأرض، و حذروا فتنتهم أشد التحذير، و بالغوا في ذلك ما لم يبالغوا في إنكار الفواحش و الظلم و العدوان، إذ مضرة البدع و هدمها للدين و منافاتها له أشد.) مدارج السالكين 1/ 372.
و إشاعة البدعة بين المسلمين من أبطل الباطل فاستوجب تحذير الناس منها قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} آل عمران: 104.
و يقول النبي صلى الله عليه و سلم: {من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}.و في حديث آخر: {والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم}. و عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: {أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير ما وضعها الله (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب}
و في الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: {إذا ظهرت البدع ولعن آخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم فلينشره فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه و سلم}
و عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: {إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كتم حديثا فقد كتم ما أنزل الله}
و بذلك يكون التصدي لأهل البدع و بيان أحوالهم واجب، و تركه لمن كان أهلا لذلك؛ يعد في الحقيقة من التولي يوم الزحف؛ عن مواقع الحراسة لدين الله و الدب عنه.
"و حينئذ يكون الساكت عن كلمة الحق كالناطق بالباطل في الإثم قال أبو علي الدقاق رحمه الله: "الساكت عن الحق شيطان أخرس و المتكلم بالباطل شيطان ناطق".