أنا لا أريد سَنَدي من إيوان كسرى أنو شروان، ولا من الرومان، ولا من اليونان، أريد سندي عن سفيان، أو سليمان بن مهران، أو سلمان عن رسول الإنس والجان.
تعلمني كلام الناس بلا دليل، ولا تأصيل، وتقول هذا كلام جميل، وعندي التنزيل؟
قيل للحمار، لماذا لا تجتر؟ قال: أكره الكذب.
وقيل للجمل لماذا لا ترقص؟ قال: لا أعرف الطرب.
وتعلمني الفلسفة والمنطق، وأنا ما عندي وقت للعب.
أريد أن أسمع في المجلس، حدثنا سبعين مرة، لتكتمل المسرّة.
أهل الحديث هموا أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
الحديث النبوي كلام، لم يخمر في عقول فلاسفة اليونان، ولم يتعفن في أدمغة فلان وفلان، ولم يأت من أهواء أهل الطغيان. وإنما قاله من أتى بالقرآن، تقرأ استنباط أهل الفهوم، وتطالع كتب أرباب العلوم، ثم تتلو حديث المعصوم، فإذا ماء الوحي يترقرق في جنباته، ورحيق العصمة يتدفق في قسماته، فكان كل علم قرأته قبله نسي وانتهى، لأنه لا يقاوم كلاماً أتى من عند سدرة المنتهى.
والفضا والنجوم والأنواءتتلاشى من نوره الأضواء السموات شيقات ظماءلكلام من الرسول جميل
ما أحسن الضم والعناق، لجملة حدثنا عبد الرزاق، كلما قلت أخبرنا علي بن المديني، حفظت ديني، سهمي لكل مبتدع يسدد، إذا قلت حدثنا مسدد بن مسرهد.
أشرقت أمامي المسالك، كلما قرأت موطأ مالك، سقيم الإرادة العلمية له علاج، عند مسلم بن الحجاج، أدْمغُ كل منحرف بذي، بسنن الترمذي، أنا في صباحي ومسائي، أدعو للنسائي.
هاجر المحدثون إلى الله لطلب كلام رسوله الأمين، فوجدوا في أول الطريق ثواب نية الصادقين، ووجدوا في وسطه نضرة البهاء التي دعا بها سيد المرسلين، ووجدوا في آخر الطريق جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
كل صاحب فن، ينسب إلى صاحب ذاك الفن، إلا المحدثون فإنهم ينسبون، إلى من أتى بالسنن، وأهدى لنا المتن، وتنعمت بعلومه الفطن.
ما أروع الهمم الكبار لثلةٍ معروفة بالبر والإحسانِ
يتصيدون كلام أكرم مرسلٍ ينفون عنه سبيكة البهتانِ
سافر أحمد بن حنبل من بغداد إلى صنعاء، يمتطي الرمضاء، ويركب الظلماء، يترك الأهل، يدفعه الجبل إلى السهل، تشيعه الدموع، يرافقه الجوع. لأن الرجل مشتاق، وأحد العشاق، لذاك الترياق، من قوارير عبد الرزاق.
دخل مكحول القرى والبوادي، وطاف على النوادي، وعبر كل وادي، يطلب حديث النبي الهادي، فصار ريحانة الشام، وشيخ الإسلام.
ومشى أبو حاتم، ألف فرسخ على الأقدام، لطلب حديث سيد الأنام، فأصبح بذلك أحد الأعلام.
تهون خطانا للمحب فلو مشى إليكم فؤادي كان أبرد للشوقِ
المحدثون هم عسكر الرسالة، وجنود البسالة، ظهروا على البدع بكتائب حدثنا، وسحقوا الملاحدة بجيوش أخبرنا.
لولا كتابة الحديث في الدفاتر، وحمل المحدّثين للمحابر، لخطب الدجَّال على المنابر
الله كم من أنف لمبتدع أرغم بصحيح البخاري، وكم من صدر لمخالف ضاق بفتح الباري.
الحديث كسفينة نوح فيها من كل زوجين اثنين: رواية ودراية، بداية ونهاية، متون وأسانيد، صحاح ومسانيد، تراجم ومعاجم.
من ركب هذه السفينة نجا من غرق الضلالة، وسلم من بحر الجهالة، ووصل شاطئ الرسالة.
انطلقت هذه السفينة من المدينة، ربانها المصطفى، والركاب الصحابة الأوفياء، نحن على مائدة المحدثين أضياف، فلعلنا نعد منهم، لأن المضاف إليه يأخذ حكم المضاف، لكل طائفة رئيس، والمحدِثّون محمد r رئيسهم، وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، ليتني خسرت ذهباً مثل ثهلان، بمجلس واحد مع سفيان.
المحدثون بيوتهم المساجد، وعصى التسيار التوكل، وزادهم التقوى، وكلامهم حدثنا وأخبرنا، ويريدون وجهه، والمطلب الجنة، والمقصد رضوان الله، والعمل الذب عن الملة، والنسبة محمديّون.
هذه الطائفة: ((دعها فإن معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها، في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر)).
سلام على المحدِّثين، ورحمة رب العالمين، ورضوان عليهم في الخالدين، وجمعنا بهم في الصالحين، وإلى لقاء بعد حين:
إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا