تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحديث) أي لا يكون مؤمناً تاماً ولا يكون له نور الإيمان كما قاله الإمام البخاري رحمه الله تعالى، فهذه المعاصي من الزنى وشرب الخمر والسرقة والانتهاب والغلول أوجبت نقص الإيمان مما يدل على أن فعل المعصية ينقص الإيمان، عن أبي هريرة مرفوعاً (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قالوا: من يا رسول الله قال (من لا يأمن جاره بوائقه) فهذه المعصية وهي أذى الجار وإسرار العداوة له وتربص حلول الدوائر به أوجبت نقص الإيمان، وفي صحيح مسلم من حديث أبي مسعود مرفوعاً (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر) فهذه المعصية العظيمة أوجبت نقص الإيمان الذي تحصل به النجاة يوم القيامة. وفي الصحيحين من حديث أبن مسعود مرفوعا (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) والوصف بالفسوق والكفر الأصغر دليل على أن هاتين المعصيتين قد أثرتا تأثيرا بليغا في نقص الإيمان مما يدل على أن فعل المعصية ينقص الإيمان بقدر هذه المعصية. وفي الصحيحين من حديث حذيفة (لا يدخل الجنة قتات) أي نمام، فهذه المعصية أنقصت الإيمان الواجب نقصا كبيرا بحيث أن صاحبها حكم عليه بأنه لا يدخل الجنة،والنصوص على ذلك كثيرة جدا لا تكاد تحصر، وتفيد بمجموعها أن فعل المعاصي ينقص الإيمان، والدليل على أن فاعل الكبيرة لا يخرج عن مسمى الإيمان قوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداءً إليه بإحسان)) فوصف القاتل بأنه أخٌ للمقتول مما يدل على أنه لا يزال على الإيمان مع اتصافه بالقتل فعلمنا بذلك أن ارتكاب الكبيرة لا يخرج عن مسمى الإيمان ومن ذلك قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) فسماهم مؤمنين مع اتصافهم بقتال بعضهم بعضاً ـ وقال في آخرها (إنما المؤمنون إخوة) فوصفهم بالإيمان وجعلهم إخوة مما يدل على أنه لا يزال بينهم أخوة الإيمان، فعلمنا بذلك أن ارتكاب الكبيرة لا يخرج العبد من دائرة الإيمان بالكلية، وفي حديث عياض الملقب حماراً أنه كان يشرب الخمر فيؤتى به فيجلد فلعنه أحد الصحابة فقال عليه الصلاة والسلام (لا تلعنه فوالله أني لا أعلم إلا أنه يحب الله ورسوله) ومن المعلوم أن شرب الخمر من الكبائر ومع ذلك أثبت له أنه يحب الله ورسوله أي هو مؤمن، فأثبت له الإيمان مع تلبسه بهذه الكبيرة فعلمنا بذلك أن ارتكاب الكبيرة لا يخرج العبد من مسمى الإيمان بالكلية. وقد أتفق أهل السنة على ذلك إذا علمت هذا فاعلم أن المرجئة يقولون: فاعل الكبيرة له الإيمان المطلق أي أن إيمان أفسق الناس كإيمان أصلح الناس ففعل الكبيرة غير الشرك لا يؤثر في نقص الإيمان. وأما الوعيدية فقالوا: من فعل الكبيرة فإنه يخرج من دائرة الإيمان ومسماه بالكلية، فلا ينفع إيمان مع فعل الكبيرة فهم سلبوه مطلق الإيمان، فقال أهل السنة: ولا يسلبه مطلق الإيمان. فمذهب أهل السنة وسط بين المذهبين، فلم يعطوه الإيمان المطلق كما فعلت المرجئة ولم يسلبوه مطلق الإيمان كما فعلت الوعيدية. والله أعلم.

مذهب أهل السنة في مرتكب الكبيرة في الآخرة مع بيان مذهب المرجئة والوعيدية، وتوضيح منهج الوسطية في ذلك:

يعتقد أهل السنة رفع الله نزلهم في الفردوس الأعلى أن مرتكب الكبيرة إذا مات مصراً عليها فإنه تحت مشيئة الله تعالى، فإن شاء غفر له كبيرته وأدخله الجنة ابتداءً وإن شاء عذبه في النار بقدر كبيرته ثم يخرجه منها ويدخله الجنة انتقالاً، ويعتقدون م ذلك أنه لا يخلد أحد من أهل القبلة في النار خلود الكفار، وإن طالت فترة عذابهم فمآلهم إلى الجنة، والدليل على ذلك حديث أنس في الصحيح مرفوعاً (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن حبة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير) وفي السنن من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن حافظ عليهن لم كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه) حديث صحيح، وفي الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه) وقال أهل السنة ذلك لأن فاعل الكبيرة قد أجتمع فيه الموجبات، فما فعله من الكبائر موجب لعقوبته وما عنده من الإيمان موجب لإثابته. فأجتمع فيه موجب الثواب وموجب العقاب فلا نجزم له بأحد الأمرين بل نكل أمره إلى الله تعالى فإن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، وبتوضيح أكثر نقول: إعلم رحمك الله تعالى أن مذاهب أهل القبلة في مرتكب الكبيرة في الآخرة هو نتيجة لمذاهبهم فيه في الدنيا.

فأما الوعيدية فقد سلبوه مطلق الإيمان فقالوا: إنه في الآخرة إلى النار خالداً مخلداً فيها لا يخرج منها أبد الآباد.

وأما المرجئة فقد قالوا إن مرتكب الكبيرة له الإيمان المطلق فقالوا: هو في الآخرة إلى الجنة مباشرة ولا اعتبار بما فعله من الكبائر لأنها لم تنقص إيمانه.

وأما أهل السنة فقالوا:لا نقول إلى الجنة مباشرة ولا إلى النار مباشرة بل هو تحت المشيئة، فتوسطوا بين المذهبين الضالين، وهذا من توفيق الله تعالى لأهل السنة والله أعلى وأعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير