وهذه الروايات وغيرها تحمل دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ختان النساء ونهيه عن الاستئصال.
وقد علل هذا فى إيجاز وإعجاز، حيث أوتى جوامع الكلم فقال (فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج).
وهذا التوجيه النبوى إنما هو لضبط ميزان الحس الجنسى عند الفتاة فأمر بخفض الجزء الذى يعلو مخرج البول، لضبط الاشتهاء، والإبقاء على لذات النساء، واستمتاعهن مع أزواجهن، ونهى عن إبادة مصدر هذا الحسن واستئصاله، ولم يبقها دون خفض فيدفعها إلى الاستهتار، وعدم القدرة على التحكم فى نفسها عند الإثارة.
لما كان ذلك كان المستفاد من النصوص الشرعية، ومن أقوال الفقهاء على النحو المبين والثابت فى كتب السنة والفقة أن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التى دعا إليها الإسلام وحث على الالتزام بها على ما يشير إليه تعليم رسول الله كيفية الختان، وتعبيره فى بعض الروايات بالخفض، مما يدل على القدر المطلوب فى ختانهن.
قال الإمام البيضاوى إن حديث (خمس من الفطرة) عام فى ختان الذكر والأنثى وقال (ج - 1 ص 113) الشوكانى فى نيل الأوطار إن تفسير الفطرة بالسنة لا يراد به السنة الاصطلاحية المقابلة للفرض والواجب والمندوب، وإنما يراد بها الطريق، أى طريقة الإسلام، لأن لفظ السنة فى لسان الشارع أعم من السنة فى اصطلاح الأصوليين.
ومن هنا اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره، وأنه أمر محمود، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين فيما طالعنا من كتبهم التى بين أيدينا - القول بمنع الختان للرجال أو النساء، أو عدم جوازه أو إضراره بالأنثى، إذا هو تم على الوجه الذى علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة فى الرواية المنقولة آنفا.
أما الاختلاف فى وصف حكمه، بين واجب وسنة ومكرمة، فيكاد يكون اختلافا فى الاصطلاح الذى يندرج تحته الحكم.
يشير إلى هذا ما نقل فى فقه (الاختيار شرح المختار ص 121 ج - 2) الإمام أبى حنيفة من أنه لو اجتمع أهل مصر على ترك الختان، قاتلهم الإمام (ولى الأمر) لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه.
كما يشير أليه أيضا.
أن مصدر تشريع الختان هو اتباع ملة إبراهيم، وقد اختتن، وكان الختان من شريعته، ثم عده الرسول صلى الله عليه وسلم من خصال الفطرة، وأميل إلى تفسيرها بما فسرها به الشوكانى - حسبما سبق - بأنها السنة التى هى طريقة الإسلام ومن شعائره وخصائصه، وكما جاء فى فقه الحنفيين.
وإذا قد استبان مما تقدم أن ختان البنات المسئول عنه من فطرة الإسلام وطريقته على الوجه الذى بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يصح أن يترك توجيهه وتعليمه إلى قول غيره ولو كان طبيبا، لأن الطب علم والعلم متطور، تتحرك نظرته ونظرياته دائما، ولذلك نجد أن قول الأطباء فى هذا المر مختلف.
فمنهم من يرى ترك ختان النساء، وآخرون يرون ختانهن، لأن هذا يهذب كثيرا من إثارة الجنس لا سيما فى سن المراهقة التى هى أخطر مراحل حياة الفتاة، ولعل تعبير بعض روايات الحديث الشريف فى ختان النساء بأنه مكرمة يهدينا إلى أن فيه الصون،،انه طريق للعفة، فوق أنه يقطع تلك الإفرازات الدهنية التى تؤدى إلى التهابات مجرى البول وموضع التناسل، والتعرض بذلك للأمراض الخبيثة.
هذا ما قاله الأطباء المؤيدون لختان النساء.
وأضافوا أن الفتاة التى تعرض عن الختان تنشأ من صغرها وفى مراهقتها حادة المزاج سيئة الطبع، وهذا أمر قد يصوره لنا ما صرنا إليه فى عصرنا من تداخل وتزاحم، بل وتلاحم بين الرجال والنساء فى مجالات الملاصقة والزحام التى لا تخفى على أحد، فلو لم تقم الفتاة بالاختتان لتعرضت لمثيرات عديدة تؤدى بها - مع موجبات أخرى، تذخر بها حياة العصر، وانكماش الضوابط فيه - إلى الانحراف والفساد.
وإذا كان ذلك فما وقت الختان شرعا اختلف الفقهاء فى وقت الختان فقيل حتى يبلغ الطفل، وقيل إذا بلغ تسع سنين.
وقيل عشرا، وقيل متى كان يطيق ألم الختان وإلا فلا (المراجع السابقة) والظاهر من هذا أنه لم يرد نص صريح صحيح من السنة بتحديد وقت للختان، وأنه متروك لولى أمر الطفل بعد الولادة - صبيا أو صبية - فقد ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم ختن الحسن والحسين رضى الله عنهما يوم السابع من ولادتيهما، فيفوض أمر تحديد الوقت للولى، بمراعاة طاقة المختون ومصلحته.
لما كان ذلك ففى واقعة السؤال قد بان أن ختان البنات من سنن الإسلام وطريقته لا ينبغى إهمالهما بقول أحد، بل يجب الحرص على ختانهن بالطريق والوصف الذى علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة، ولعلنا فى هذا نسترشد بما قالت حين حوارها مع الرسول.
هل هو حرام فتنهانى عنه فكان جوابه عليه الصلاة والسلام وهو الصادق الأمين.
(بل هو حلال) .. كل ما هنالك ينبغى البعد عن الخاتنات اللاتى لا يحسن هذا العمل وجيب أن يجرى الختان على هذا الوجه المشروع.
ولا يترك ما دعا إليه الإسلام يقول فرد أو أفراد من الأطباء لم يصل قولهم إلى مرتبة الحقيقة العلمية أو الواقع التجريبى، بل خالفهم نفر كبير من الأطباء أيضا وقطعوا بأن ما أمر به الإسلام له دواعيه الصحيحة وفوائده الجمة نفسيا وجسديا.
هذا وقد وكل الله سبحانه أمر الصغار إلى آبائهم وأولياء أمورهم وشرع لهم الدين وبينه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن أعرض عنه كان مضيعا للأمانة التى وكلت إليه على نحو ما جاء فى الحديث الشريف فيما روى البخارى ومسلم (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخارى ومسلم ج - 1 ص 302) عن ابن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته.
والرجل راع فى أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية فى بيت زوجها وهى مسئولة عن رعيتها، والخادم راع فى مال سيده وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع فى مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
والله سبحانه وتعالى أعلم
¥