تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حديث: أنا مدينة العلم ... لا يثبت، وعلي رضي الله عنه

قرأت مقال الأخ الكاتب محمد معروف الشيباني في " الوطن " بتاريخ الجمعة 29 جمادى الأولى 1428هـ (العدد 2450) بعنوان " كرم اللهُ وجهه " يتعقبُ فيه الشيباني تعليقاً لقارئ على مقال له، ولي معه وقفات أتمنى أن يتسع صدر الكاتب لقبولها:

الوقفة الأولى: قلتَ – بارك الله فيك -: " علّق قارئ كريم على مقالة يوم الجمعة الماضي التي استشهدت فيها بقولٍ للصحابي الجليل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بأن حديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها) غير صحيح. وليسمح لي بتوضيح وروده في صحيح الترمذي، وهو أحد أسانيد الحديث الخمسة الصحاح ".

أقول: حديث: " أنا مدينة العلم وعلي بابها " جاء عن ثلاثةٍ من الصحابة هم:

1 – عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الحديبية، وهو آخذ بيد علي يقول: " هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله - يمد بها صوته - أنا مدينة العلم، وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب ".

أخرجه الحاكم في " المستدرك (3/ 129)، والخطيب في " تاريخه " (2/ 337 – 4/ 219)، وابن عدي في " الكامل " (1/ 195).

قال الحاكم: " صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله: " بل والله موضوع وأحمد كذاب ".

وقال ابن عدي: " هذا حديث منكر موضوع، لا أعلمُ رواهُ عن عبد الرزاق إلا أحمد بن عبد الله المؤدب هذا ".

وقال ابنُ حبان في " المجروحين " (1/ 152 – 153): " هذا شيء مقلوب إسناده ومتنه ".

2 – عَن عليٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: " أنَا دارُ الحكمةِ وعليٌّ بابهُا ".

أخرجهُ الترمذي في " جامعه " (3723) وليس في صحيحه كما قلتَ أخي محمد، وقال الترمذي عقبه: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيْبٌ منكرٌ روى بعضُهمْ هَذَا الحَدِيثَ عَن شريكٍ ولمْ يذكروا فيهِ عَن الصُّنابحيِّ ولا نعرف هَذَا الحَدِيثَ عَن أحدٍ من الثِّقاتِ غيرَ شريكٍ ".

وقال في " العلل الكبير " (2/ 942): " سألتُ محمداً – يعني البخاري – عنه فلم يعرفه، وأنكر هذا الحديث ".

وقال الذهبي في " الميزان " (3/ 668): " ما أدري من وضعه؟! ".

وإسناد الحديث فيه ستُ علل، لولا خشية الإطالة لذكرتها، وحسبي كلام الأئمة الذين ذكرتهم.

3 - عن ابن عباس سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: " أنا مدينةُ العلمِ وعلي بابها، فمن أراد العلمَ فليأتِ البابَ "

أخرجه الطبراني في " الكبير " (11/ 65 – 66)، والحاكم في " المستدرك " (3/ 126)، وابن عدي في " الكامل " (5/ 1722).

وتعقب الذهبي الحاكم فقال: " قلت: بل موضوع، قال – يعني الحاكم -: " وأبو الصلت ثقة مأمون، قلتُ: لا والله، لا ثقة، ولا مأمون ".

والحديثُ متكلمٌ في متنه أيضاً، ففي " سؤالات ابن الجنيد " (ص 285): " هذا حديث لا أصل له ". أي أنه لا يثبتُ متنهُ.

وقد حكم عليه العلامةُ الألباني في " الضعيفة " (2955) بالوضع.

الوقفة الثانية: قولك: " وروده في صحيح الترمذي ".

أقول: الاسم الصحيح لكتاب الترمذي كما جاء على بعض النسخ الخطية هو: " الجامع المختصر من السنن عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ومعرفة الصحيح والمعلول، وما عليه العمل ".

أما إطلاق " صحيح الترمذي " فهو غير صحيح، فالترمذي لم يشترط الصحة في " جامعه "، ولأنه حوى الصحيح، والحسن، والضعيف، والمنكر، وشديد الضعف، والموضوع، ولذا قال الذهبي في " السير " (13/ 274): " قُلْت: فِي (الجَامِعِ) عِلْمٌ نَافِعٌ، وَفَوَائِدُ غَزِيْرَةٌ، وَرُؤُوْسُ المَسَائِلِ، وَهُوَ أَحَدُ أُصُوْلِ الإِسْلاَمِ، لَوْلاَ مَا كَدَّرَهُ بِأَحَادِيْثَ وَاهِيَّةٍ، بَعْضُهَا مَوْضُوْعٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا فِي الفَضَائِلِ ".ا. هـ.

الوقفة الثالثة: قولك: " وبالقياس على ذلك يمكن وصف جميع الصحابة بكرم الله وجوههم ويجوز إطلاق (رضي الله عنه) على علي بن أبي طالب ".

أقول: مسألة تخصيص علي بن أبي طالب – رضي اللهُ عنه – بـ " كرم الله وجهه " بعد ذكر اسمه تكلم عليها أهل العلم، ومسألة القياس ليست بالمزاج، وإليك كلام ابن كثير في " التفسير " (3/ 517 – 518) في رد قياسك: " وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب أن يفرد علي رضي الله عنه بأن يقال: " عليه السلام " من دون سائر الصحابة أو " كرم الله وجهه "، وهذا وإن كان معناه صحيحا لكن ينبغي أن يسوى بين الصحابة في ذلك، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه رضي الله عنهم أجمعين.ا. هـ.

فابن كثير يُرجع تخصيص علي بـ " كرم الله وجهه " إلى النساخ، وهذا يعني أنها متأخرة، وليست من كلام السلف، وأن الشيخين وعثمان - رضي الله عن الجميع - أولى.

وقولك: " أما لكن شيوع (كرم الله وجهه) عليه دون سواه لأنه لم يسجد قط لصنم. والسبب كونه أسلم فتىً صغيراً قبل الحلم. فكرم الله وجهه عن ذلك الدنس قبل إسلامه ".ا. هـ.

فلم تأت بالدليل الذي يثبت قولك، وليس الأمر مجرد عاطفة، فأنت تتكلم كلاما علمياً فلا بد من الأدلة، ولذا قال د. بكر أبو زيد في " معجم المناهي اللفظية " (ص 454): " ولهم في ذلك تعليلات لا يصح منها شيء ومنها: لأنه لم يطلع على عورة أحد أصلا، ومنها: لأنه لم يسجد لصنم قط. وهذا يشاركه فيه من ولد في الإسلام من الصحابة رضي الله عنهم علماً أن القول بأي تعليلات لابد له من ذكر طريق الإثبات ".ا. هـ.

عبد الله بن محمد زُقَيْل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير