تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أثرا أثراً زائداً على اثر ما قبله فيقوى الأثران وهلم جرا فيهجم عليه الضعف والكبر ووهن القوة على هذه الحال فينتقل الى الله بنجاسته وأوساخه وأدرانه لم يتطهر للقدوم على الله فما ظنه بربه ولو انه تاب وأناب وقت القدرة والإمكان لقبلت توبته ومحيت سيئاته ولكن حيل بينهم وبين ما يشتهون ولا شيء أشهى لمن انتقل الى الله على هذه الحال من التوبة ولكن فرط في أداء الدين حتى نفذ المال ولو أداه وقت الإمكان لقبله ربه وسيعلم المسرف والمفرط أي ديان أدان وأي غريم يتقاضاه ويوم يكون الوفاء من الحسنات فإن فنيت فيحمل السيئات فبان ان من حكمة الله ونعمه على عباده ان ستر عنهم مقادير آجالهم ومبلغ أعمارهم فلا يزال الكيس يترقب الموت وقد وضعه بين عينيه فينكف عما يضره في معاده ويجتهد فيما ينفعه ويسر به عند القدوم فإن قلت فها هو مع كونه قد غيب عنه مقدار اجله وهو يترقب الموت في كل ساعة ومع ذلك يقارف الفواحش وينتهك المحارم فأي فائدة وحكمة حصلت بستر اجله عنه قيل لعمر الله ان الأمر كذلك وهو الموضع الذي حير الألباب والعقلاء وافترق الناس لأجله فرقا شتى ففرقة أنكرت الحكمة وتعليل أفعال الرب جملة وقالوا بالجبر المحض وسدوا على أنفسهم الباب وقالوا لا تعلل أفعال الرب تعالى ولاهي مقصود بها مصالح العباد وإنما مصدرها محض المشيئة وصرف الارادة فأنكروا حكمة الله في أمره ونهيه وفرقة نفت لأجله القدر جملة وزعموا ان أفعال العباد غير مخلوقة لله حتى يطلب لها وجوه الحكمة وإنما هي خلقهم وإبداعهم فهي واقعة بحسب جهلهم وظلمهم وضعفهم فلا يقع على السداد والصواب الا اقل القليل منها فهاتان الطائفتان متقابلتان اعظم تقابل فالأولى غلت في الجبر وإنكار الحكم المقصودة في أفعال الله والثانية غلت في القدر وأخرجت كثيرا من الحوادث بل أكثرها عن ملك الرب وقدرته وهدى الله أهل السنة الوسط لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فأثبتوا لله عز وجل عموم القدرة والمشيئة وأنه تعالى ان يكون في مسلكه مالا يشاء أو يشاء مالا يكون وأن أهل سمواته وأرضه اعجز واضعف من ان يخلقوا مالا يخلقه الله أو يحدثوا مالا يشاء بل ما شاء الله كان ووجد وجوده بمشيئته وما لم يشأ لم يكن وامتنع وجوده لعدم المشيئة له وانه لا حول ولا قوة الا به ولا تتحرك في العالم العلوي والسفلي ذرة الا بإذنه ومع ذلك فله في كل ما خلق وقضى وقدر وشرع من الحكم البالغة والعواقب الحميدة ما اقتضاه كمال حكمته وعلمه وهو العليم الحكيم فما خلق شيئا ولا قضاه ولا شرعه الا لحكمة بالغة وإن تقاصرت عنها عقول البشر فهو الحكيم القدير فلا تجحد حكمته كمالا تجحد قدرته والطائفة الأولى جحدت الحكمة والثانية جحدت القدرة والأمة الوسط أثبتت له كمال الحكمة وكمال القدرة فالفرقة الأولى تشهد في المعصية مجرد المشيئة والخلق العاري عن الحكمة وربما شهدت الجبر وأن حركاتهم بمنزلة حركات الأشجار ونحوها والفرقة الثانية تشهد في المعصية مجرد كونها فاعلة محدثة مختارة هي التي شاءت ذلك بدون مشيئة الله والأمة الوسط تشهد عز الربوبية وقهر المشيئة ونفوذها في كل شيء وتشهد مع ذلك فعلها وكسبها واختيارها وإيثارها شهواتها على مرضات ربها فيوجب الشهود الأول لها سؤال ربها والتذلل والتضرع له ان يوفقها لطاعته ويحول بينها وبين معصيته وان يثبتها على دينه ويعصمها بطواعيته ويوجب الشهود الثاني لها اعترافها بالذنب وإقرارها به على نفسها وأنها هي الظالمة المستحقة للعقوبة وتنزيه ربها عن الظلم وان يعذبها بغير استحقاق منها أو يعذبها على ما لم تعمله فيجتمع لها من الشهودين شهود التوحيد والشرع والعدل والحكمة وقد ذكرنا في الفتوحات القدسية مشاهد الخلق في مواقعة الذنب وأنها تنتهي الى ثمانية مشاهد احدها المشهد الحيواني البهيمي الذي شهود صاحبه مقصور على شهوات لذته به فقط وهو في هذا المشهد مشارك لجميع الحيوانات وربما يزيد عليها في اللذة وكثرة التمتع والثاني مشهد الجبر وان الفاعل فيه سواه والمحرك له غيره ولا ذنب له هو وهذا مشهد المشركين وأعداء الرسل الثالث مشهد القدر وهو انه هو الخالق لفعله المحدث له بدون مشيئة الله وخلقه وهذا مشهد القدرية المجوسية الرابع مشهد أهل العلم والإيمان وهو مشهد القدر والشرع يشهد فعله وقضاء الله وقدره كما تقدم الخامس مشهد الفقر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير