[من آفات المتفقه: تقديم قول الأشياخ على ما يقتنع به]
ـ[عبد العزيز بن سعد]ــــــــ[31 - 07 - 07, 02:53 م]ـ
وجدت نقلا جميلا في كتاب الفروع 11/ 116 - طبعة الدكتور التركي، فعجبت من إيراد ابن مفلح له مع طوله، ونفاسته،
فقلت: كم في الزوايا من خبايا
قال ابن مفلح:
وقال ابن الجوزي في كتابه السر المكتوم: هذه الفصول هي أصول الأصول (وهي) ظاهرة البرهان، لا يهولنك مخالفتها لقول معظم في النفس ولطعام وقد قال رجل لعلي عليه السلام: أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير على الخطإ وأنت على الصواب؟ فقال: إنه ملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله.
وقال رجل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: إن ابن المبارك قال كذا، فقال: إن ابن المبارك لم ينزل من السماء.
وقال أحمد: من ضيق على الرجل أن يقلد، والله أعلم: وقال أيضا: لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بعثه على أقوم منهاج، وأحسن الآداب، فكان أصحابه على طريقه وجمهور التابعين، ثم دخلت آفات وبدع، فأكثر السلاطين يعملون بأهوائهم وآرائهم، لا بالعلم، ويسمون ذلك سياسة، والسياسة هي الشريعة.
والتجار يدخلون في الربا ولا يعلمون وقد يعلمون ولا يبالون، وصار جمهور العلماء في تخليط، منهم من يقتصر على صورة العلم ويترك العمل به، ظنا منه أنه يسامح لكونه عالما، وقد نسي أن العلم حجة عليه.
ومنهم من يطلب العلم للرياسة لا للعمل به، فيناظر، ومقصوده الغلبة لا بيان الحق، فينصر الخطأ، ومنهم من يجترئ على الفتيا وما حصل شروطها، ومنهم من يداخل السلاطين فيتأذى هو مما يرى من الظلم ولا يمكنه الإنكار، ويتأذى فيقول: لولا أني على صواب ما جالسني هذا، ويتأذى، العوام بذلك فيقولون: لولا أن أمر السلطان قريب ما خالطه هذا العالم، ورأيت الأشراف يثقون بشفاعة آبائهم وينسون أن اليهود بنو إسرائيل، ورأيت القصاص لا ينظرون في الصحيح، ويبيعون بسوق الوقت ورأيت أكثر العباد على غير الجادة، فمنهم من صح قصده، ولا ينظرون في سيرة الرسول وأصحابه، ولا في أخلاق الأئمة المقتدى بهم، بل قد وضع جماعة من الناس لهم كتبا فيه رقائق قبيحة، وأحاديث غير صحيحة، وواقعات تخالف الشريعة، مثل كتب الحارث المحاسبي وأبي عبد الله الترمذي وأبي طالب المكي، فيسمع المبتدئ ذم الدنيا ولا يدري ما المذموم، فيتصور ذم ذات الدنيا، فينقطع في الجبل، ويقتصر على البلوط والكمثرى أو اللبن أو العدس، وإنما ينبغي لقاصد الحج أن يرفق بالناقة ليصل.
ثم ذكر بعض ما ننقل عن أبي يزيد [وداود الطائي وبشر وغيرهم فحلف أبو يزيد] لا يشرب الماء سنة.
وكان داود يشرب الماء الحار من دن، ويقول بشر: أشتهي منذ خمسين سنة الشواء فما صفا لي درهمه، وتكلم عليه بمقتضى الشرع وقال: التقليد للأكابر أفسد العقائد، ولا ينبغي أن يناظر بأسماء الرجال، إنما ينبغي أن يتبع الدليل، فإن أحمد بن حنبل أخذ في الجد بقول زيد بن ثابت وخالف أبا بكر الصديق رضي الله عنهم، وقد قال علي عليه السلام: اعرف الحق تعرف أهله.
وقد ذكر لأحمد بن حنبل كلمات عن إبراهيم بن أدهم فقال: وقفنا في ثنيات الطريق، عليك ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتكلم أحمد في الحارث المحاسبي، وبلغه عن سري السقطي أنه قال: لما خلق الله تعالى الحروف وقف الألف وسجدت الباء.
فقال: نفروا الناس عنه، وكان الشافعي يرد على مالك.
وهذه طريقة المتزهدين، لم يكن عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولا سلكوا ما رتبه أبو طالب المكي في لرياضة.
ثم ذكر أن هؤلاء المتزهدين إن رأوا عالما لبس ثوبا جميلا أو تزوج مستحسنة أو ضحك، عابوه، وهذا في أوائل الصوفية، فأما في زماننا فلا يعرفون التعبد ولا التقلل، وقنعوا في إظهار الزهد بالقميص المرقع، فما العجب في نفاقهم، إنما العجب نفاقهم، ثم ذكر أنهم يدخلون في قوله تعالى {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} وكيف لا يوصف بالاستدراج من يعمل لثبوت الجاه بين الخلق ويمضي عمره في تربية رياسته ليقال هذا فلان، أو في تحصيل شهواته الفانية مع سوء القصد، وقال: طلب الرياسة والتقدم بالعلم مهلكة لطالبي ذلك، فترى أكثر المتفقهين يتشاغلون بالجدل ويكثر منهم رفع الأصوات في المساجد بذلك، وإنما المقصود الغلبة والرفعة، فهم داخلون في قوله صلى الله عليه وسلم {من تعلم علما ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف وجه الناس إليه لم يرح رائحة الجنة} ومنهم من يفتي ولا يبلغ درجة الفتوى، ويري الناس صورة تقدمه فيستفتونه ولو نظر حق النظر وخاف الله تعالى علم أنه لا يحل له أن يفتي.
وكتاب السر المكتوم لابن الجوزي، لا أعرف عنه شيئا، فلعل الإخوة يفيوننا عنه ...
ـ[ذو المعالي]ــــــــ[04 - 08 - 07, 08:45 م]ـ
الكريم: عبد العزيز ...
نقلٌ موفَّقٌ، و لقد وضع الإمام الكبير ابنُ الجوزي النقاط على الأحرف، و شخَّصَ الداءَ، و في كتبه منثورٌ الدواءُ، كأنه يحكي زماننا، و ما نراهُ من الصور التي ذكرها.
و لكنْ يبدو لي أنَّ موقفَه ليسَ على إطلاقه، و إنما يقصدُ شيئاً مخَصَّصَاً من عمومٍ، و مقيِّداً لمُطْلَقٍ، و الناظرُ في كلامِه في كتبِهِ، و تصرفه يُدركُ ذلك، فرحمَ الله ابنَ الجوزيَّ فقد كان ينظرُ ببصيرتِه ..
[تنبيهٌ: في النقلِ بعضُ نقصٍ عما في الكتابِ، يُراجع، فضلاً] ..
دمتَ مسدَّداً ..
¥