د ـ تعليمهم الأحكام الهامَّة التي تهمُّهم من القضايا الفقهية، كأحكام الطهارة، وأحكام الصلاة مع التركيز على تعليمهم الصلاة تنظيراً وعملاً وتمثيلاً، وتحفيظهم لشروطها وأركانها وواجباتها، وعدم الغفلة عن تعليمهم صلاة الجنازة، وكيفيَّة تغسيل الميت وتكفينه والصلاة عليه لأنَّ كثيراً منهم لا يعلم ذلك ألبتَّة، ومن الجيِّد تعليمهم بعض أحكام الزكاة ومبادئها التي تخصُّهم، وخصوصاً أحكام زكاة السائمة، وبهيمة الأنعام.
ومن الكتب المفيدة والمختصرة في هذا الباب كتاب: (الملخص الفقهي) للشيخ:صالح الفوزان، وكتاب: (الوجازة في تجهيز الجنازة) للشيخ: عبد الرحمن الغيث، وكتاب: (كيف تزكِّي أموالك) للشيخ: عبد الله الطيَّار.
هذه بعض التوجيهات والأفكار التي أحببت أن أبثَّها إلى إخواني الدعاة وأهل الهمم من طلبة العلم، ليدركوا الجهل الواقع عند هؤلاء الذين يعيشون في جنوب جزيرتنا العربيَّة، وليستشعر الإخوة من طلبة العلم أهميَّة دعوتهم إلى الله تعالى ورفع الجهل عنهم، لأنَّ الله سيحاسبنا على تقصيرنا في دعوتهم.
وهذا هو المرجو من طلبة العلم أن يتَّقوا الله في علمهم، وأن يزكُّوا عمَّا لديهم من علم، وأن يخرجوا من مدنهم لتلك المناطق النائية، فقد صارت المدن مقبرة للعلماء والدعاة من كثرتهم، وقلَّة من يخرج منها؛ لعلَّهم يبلِّغون أهل تلك المناطق دين الله ـ تعالى ـ فهو أولى بهم من الانزواء والانكماش.
والله تعالى يقول: (وأنذر عشيرتك الأقربين) فهؤلاء القريبون منَّا هم أولى بالرعاية والعناية بتعليمهم أصول الإسلام من الذين يعيشون في أدغال إفريقية مع عدم تحقير جهد الداعين إلى الله في أدغال إفريقية، ولكن أين طاقات أهل الهمم بالدعوة إلى الله في أدغال بلادنا ومناطقنا النائية؟!
ولنتأسَّ بالصحابي الجليل أبي بكر الصدِّيق ـ رضي الله عنه ـ حين قال: (أينقص الدين وأنا حي) فنتشبَّه به، ونجاهد أنفسنا في تبليغ رسالة الله إلى العالمين، كي لا نتأسَّى على نقصان ديننا!
ولا أخفي على القارئ الكريم سرَّاً أنَّ أهل تلك المناطق يفرحون أشد الفرحة لمجيء الدعاة إلى الله، ونصب خيامهم بالقرب منهم، وتعليمهم دينهم، بل قد لا يدعون لهم وقت راحة، من كثرة أسئلتهم واستفساراتهم واستشاراتهم لك في أمور دينهم ودنياهم.
ويشهد الله عزَّ وجل كيف كانت لحظات الوداع حين أزف رحيلنا من منطقتهم، رجالهم وصغارهم وشبابهم يبكون، ويرجون منَّا أن نبقى عندهم زيادة في الأيام، أو على الأقل عدم نسيانهم في السنوات القادمة لتعليمهم ورفع الجهل عنهم.
وأذكر أنَّ أحد شيوخ القبائل الخيِّرين كان يناشد الإخوة القائمين على أحد المكاتب التعاونيَّة الدعويَّة، ويذكرهم بالله واليوم الآخر بأن يأتوا بدعاة لهم يعلِّمونهم أمور دينهم، ويقيمون الدورات العلميَّة في منطقتهم.
فلولا نَفَرَ جمع من الإخوة الفضلاء من طلبة العلم، والدعاة إلى الله، إلى أهالي تلك المناطق، ودعوتهم إلى دين الله، وأن يستشعروا الأجر الكبير المترتب على ذلك، ولو لم يرد منه إلاَّ قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) أخرجه البخاري ومسلم.
كما أنبِّه التجَّار لأهميَّة دعم الدعاة إلى الله، وإرسال الهدايا والمعونات والأرزاق معهم إلى أهالي تلك المناطق، ليتشجَّعوا بالحضور إلى الدورات المقامة من الدروس التي ترفع الجهل عنهم، وكما كتب لي أحد الإخوة المشايخ ممَّن نفر لتلك المناطق قائلاً: (ولو أنَّ المكاتب التعاونية التي في تلك المناطق النائية دُعِمَت كما تدعم النصارى إرسالياتها وكنائسها لكان ما كان).
ومن هذا المنطلق فإنِّي أناشد وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميَّة والدعوة والإرشاد، بأن تمتطي صهوتها، وترسل الدعاة إثر الدعاة لدعوة أهالي تلك المناطق لدين الله، وتصحيح معتقداتهم، لعلَّ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ يحدث بعد ذلك أمراً لتغيُّر الحال، وأملنا في وزارة الأوقاف كبير جداً.
وقد حُكِيَ أنَّ صعصعة بن صوحان ـ وكان من حكماء العرب ومفكريها ـ دخل على معاوية ابن أبي سفيان، فسأله معاوية قائلاً: يا ابن صوحان صف لي الناس! فقال: خلق الناس أطواراً؛ طائفة للسيادة والولاية، وطائفة للفقه والسنة، وطائفة للبأس والنجدة، وطائفة رجرجة بين ذلك يغلون السعر ويكدرون الماء إذا اجتمعوا ضروا، وإذا تفرقوا لم يعرفوا.
فاحذر أخي أن تكون من هؤلاء الرجرجة، الذين لا عمل لهم إلاَّ كثرة الصياح والجلبة، أو الذين لا عمل لهم ولا هم إلاَّ تكسُّب العيش، والركون للدنيا.
وأكتفي بهذا القدر، سائلاً المولى ـ عزَّ وجل ـ أن يجعلنا من أنصار دينه بالحجَّة والبيان، والسيف والسنان، وأن يهدينا ويهدي بنا، ويهيئ لنا من أمرنا رشداً، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
¥