تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

صل [(5) حكم النظر إلى الحرة وإلى الأمة] وأما تحريم النظر إلى العجوز الحرة الشوهاء القبيحة وإباحته إلى الأمة البارعة الجمال فكذب على الشارع، فأين حرم الله هذا وأباح هذا؟ والله سبحانه إنما قال: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} لم يطلق الله ورسوله للأعين النظر إلى الإماء البارعات الجمال، وإذا خشي الفتنة بالنظر إلى الأمة حرم عليه بلا ريب، وإنما نشأت الشبهة أن الشارع شرع للحرائر أن يسترن وجوههن عن الأجانب، وأما الإماء فلم يوجب عليهن ذلك، لكن هذا في إماء الاستخدام والابتذال، وأما إماء التسري اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن فأين أباح الله ورسوله لهن أن يكشفن وجوههن في الأسواق والطرقات ومجامع الناس وأذن للرجال في التمتع بالنظر إليهن؟ فهذا غلط محض على الشريعة، وأكد هذا الغلط أن بعض الفقهاء، سمع قولهم: إن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وعورة الأمة ما لا يظهر غالبا كالبطن والظهر والساق؛ فظن أن ما يظهر غالبا حكمه حكم وجه الرجل، وهذا إنما هو في الصلاة لا في النظر، فإن العورة عورتان: عورة في النظر وعورة في الصلاة، فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك، والله أعلم

فصل [(6) الفرق بين السارق والمنتهب].

وأما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم، وترك قطع المختلس والمنتهب والغاصب فمن تمام حكمة الشارع أيضا؛ فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه، فإنه ينقب الدور ويهتك الحرز ويكسر القفل، ولا يمكن صاحب المتاع الاحتراز بأكثر من ذلك، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضا، وعظم الضرر، واشتدت المحنة بالسراق، بخلاف المنتهب والمختلس؛ فإن المنتهب هو الذي يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس، فيمكنهم أن يأخذوا على يديه، ويخلصوا حق المظلوم، أو يشهدوا له عند الحاكم، وأما المختلس فإنه إنما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره، فلا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من اختلاسه، وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ لا يمكنه الاختلاس، فليس كالسارق، بل هو بالخائن أشبه؛ وأيضا فالمختلس إنما يأخذ المال من غير حرز مثله غالبا، فإنه الذي يغافلك ويختلس متاعك في حال تخليك عنه وغفلتك عن حفظه، وهذا يمكن الاحتراز منه غالبا، فهو كالمنتهب؛ وأما الغاصب فالأمر فيه ظاهر، وهو أولى بعدم القطع من المنتهب، ولكن يسوغ كف عدوان هؤلاء بالضرب والنكال والسجن الطويل والعقوبة بأخذ المال كما سيأتي.

فإن قيل: فقد وردت السنة بقطع جاحد العارية، وغايته أنه خائن، والمعير سلطه على قبض ماله.

والاحتراز منه ممكن بأن لا يدفع إليه المال؛ فبطل ما ذكرتم من الفرق.

قيل: لعمر الله لقد صح الحديث بأن {امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت يدها}، فاختلف الفقهاء في سبب القطع: هل كان لسرقتها؟ وعرفها الراوي بصفتها؛ لأن المذكور هو سبب القطع كما يقوله الشافعي وأبو حنيفة ومالك أو كان السبب المذكور هو سبب القطع مما يقوله أحمد ومن وافقه؟ ونحن في هذا المقام لا ننتصر لمذهب معين ألبتة، فإن كان الصحيح قول الجمهور اندفع السؤال، وإن كان الصحيح هو القول الآخر فموافقته للقياس والحكمة والمصلحة ظاهر جدا؛ فإن العارية من مصالح بني آدم التي لا بد لهم منها، ولا غنى لهم عنها، وهي واجبة عند حاجة المستعير وضرورته إليها إما بأجرة أو مجانا، ولا يمكن المعير كل وقت أن يشهد على العارية، ولا يمكن الاحتراز بمنع العارية شرعا وعادة وعرفا، ولا فرق في المعنى بين من توصل إلى أخذ متاع غيره بالسرقة وبين من توصل إليه بالعارية وجحدها، وهذا بخلاف جاحد الوديعة؛ فإن صاحب المتاع فرط حيث ائتمنه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير