تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكانت المؤسسة التي استملكت الأرض الوقف قد أصبحت بإمرتي، وكان المفروض أن أدافع عن مصلحة المؤسسة الحكومية ووجهة نظرها في الاستملاك والتصرف بين الزملاء .. ولكنني لم أفعل .. كان الزملاء في حينه معي قلباً وقالباً .. لأنهم ينسجمون في الدفاع عن مصلحة الحكومة وحدها دون مصلحة الناس .. ولأنهم ـ غالباً ـ لا يفرقون بين الأرض الموقوفة وغير الموقوفة .. بل لا يعرف أكثرهم عن الأوقاف الإسلامية شيئاً مذكوراً، وكان المسئول عن الأوقاف معي أيضاً، فكان الجو السائد ملائماً لاستملاك الأرض الموقوفة أو نهبها لقاء دراهم معدودات، وكانت المؤسسة الرسمية التي أصبحت بإمرتي قد استملكت الأرض وتصرفت فيها قبل أن أكون مسئولاً في الدولة .. فهل يتم استملاك أرض الوقف على مسئوليتي بثمن رمزي زهيد، وأتقبل الاحتراق بنار لم أكن من دعاة إضرامها ولا أرضى بإضرامها؟!!.

ووقفت معارضاً الاستملاك بثمن بخس، وطلبت إعادة تقدير ثمن الأرض من جديد ليصبح ثمنها كأمثالها تماماً، فارتفع سعرها أربعين ضعفاً، لأن سعر المتر المربع قُدِّر أول مرة بربع دينار، وقدر في المرة الثانية بعشرة دنانير. واستغرب الزملاء من موقفي المعارض لمصلحة المؤسسة التي بإمرتي ومصلحة الحكومة .. والمفروض أن أكون المدافع الأول عن تلك المصالح .. وما ذكروا أن كلمة والدي خطرت ببالي في أثناء مناقشة الاستملاك. وكانت تلك الكلمة تصرخ بشدة في أذني: " هذه أوقاف نبوية .. إنّها نار .. نار .. نار .. "!!.

وهربت من النار التي كادت تحرقني .. ولكن الله سلم!!.

وبالطبع كان الزملاء الذين أرادوا استملاك أرض الوقف بثمن بخس، والزميل المسئول المباشر عن الوقف الذي تسامح بالاستملاك يظنون أن ذلك يرضيني وأنني راغب فيه .. ولكن خاب ظنهم حين وجدوني معارضاً لهم لا منسجماً معهم دون أن يعرفوا سر معارضتي التي اعتبروها شذوذاً لا مسوّغ له!!.

واليوم أكشف عن سر معارضتي لذلك الاستملاك، بعد أن كتمته أكثر من عشرين سنة، ليكون عبرة لمن يعتبر، بعد أن أصبح أكثر أولئك الزملاء في جوار الله، وبعد أن يئست من تولي المناصب الحكومية، أو هي يئست مني على أصدق تعبير .. وما أسعدني في حياتي والحمد لله .. فأنا في نعمة سابغة عظيمة أحمد الله عليها وأشكره صباح مساء.

إن الناس الذين يظنون أن السعادة تكون بالثراء العريض والمناصب الرفيعة والجاه المزيف مخطئون كل الخطأ، أو مغرر بهم كل التغرير .. فالمناصب والمال والجاه ليست كل شيء في هذه الحياة الدنيا .. وبخاصة إذا جاءت بشكل أو أسلوب غير مشروع. بل إن المال الحرام والمناصب والجاه وغيرها من متاع الدنيا الزائلة التي تقتنص بأساليب غير مشروعة أو تؤخذ غلاباً واغتصاباً ليست إلاّ شقاءً دائماً، وعذاباً مقيماً، لأن السعادة تكون في راحة الضمير، واطمئنان النفس .. وهما ثمرتان يانعتان من ثمرات الحلال لامن دغل الحرام.

والذين يغترون بمظاهر السعادة للأغنياء وأهل السلطان والجاه العريض واهمون .. فرُبَّ سعيد في مظهره شقي في مخبره .. أما إذا كان الثراء والجاه والسلطان على أسس من الرمل .. أي من الحرام .. فلابد من أن تنهار بأصحابها اليوم أو غداً .. وحينذاك يحمد الله الذين تمنوا مكان ومكانة أولئك النفر الذين شيدوا بنيانهم على جرف هار فانهار بهم لأن أمانيهم لم تتحقق، ففازوا بالسلامة على الأقل .. وصدق الله العظيم:) إنّ قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم، وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة. إذ قال له قومه: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين .. وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك.ولا تبغ الفساد في الأرض. إن الله لا يحب المفسدين. قال إنما أوتيته على علم عندي. أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً. ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون. فخرج على قومه في زينته. قال الذين يريدون الحياة الدنيا: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم. وقال الذين أوتوا العلم: ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون. فخسفنا به وبداره الأرض. فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين. وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون: ويْكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر. لولا أن منّ الله علينا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير