تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال يونس الصدفي: "ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة، ثم افترقنا ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة". ينظر: سِير أعلام النبلاء (10/ 16).

وقال الإمام الناقد أبو عبد الله الذهبي في السير (14/ 40):

"ولو أنَّا كلما أخطأ إمامٌ في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفوراً له, قمنا عليه وبدَّعناه, وهجرناه, لما سَلِمَ معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما, والله الهادي إلى الحق, وهو أرحم الراحمين, فنعوذ بالله مِن الهوى والفظاظة" انتهى.

وأختم بهذا الجواب الذي صدر عن اللجنة الدائمة برئاسة شيخنا الإمام ابن باز -رحمه الله-:

حيث سأل سائل فقال: (نسمع و نجد أناسا يدعون أنهم من السلفية، وشغلهم الشاغل هو الطعن في العلماء و اتهامهم بالابتداع، وكأن ألسنتهم ما خلقت إلا لهذا، و يقولون نحن سلفية، والسؤال يحفظكم الله: ما هو مفهوم السلفية الصحيح، وما موقفها من الطوائف الإسلامية المعاصرة؟ و جزاكم الله عنا و عن المسلمين خير الجزاء إنه سميع الدعاء).

وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه: إذا كان الحال كما ذكر فإن الطعن في العلماء، ورميهم بالابتداع واتهامهم مسلك مرد ليس من طريقة سلف هذه الأمة و خيارها.

وإن جادة السلف الصالح هي الدعوة إلى الكتاب و السنة، وإلى ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة -رضي الله عنهم- و التابعين لهم بإحسان بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، مع جهاد النفس على العمل بما يدعو إليه العبد، والالتزام بما علم بالضرورة من دين الإسلام من الدعوة إلى الاجتماع، والتعاون على الخير، وجمع كلمة المسلمين على الحق، والبعد عن الفرقة وأسبابها من التشاحن والتباغض والتحاسد، والكف عن الوقوع في أعراض المسلمين، ورميهم بالظنون الكاذبة ونحو هذا من الأسباب الجالبة لافتراق المسلمين، وجعلهم شيعا و أحزابا يلعن بعضهم بعضا، ويضرب بعضهم رقاب بعض، قال الله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. ولا تكونوا ....... " [آل عمران:103 - 105]. وثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض".

والآيات والأحاديث في ذم التفرق وأسبابه كثيرة، ولهذا فإن حماية أعراض المسلمين وصيانتها من الضروريات التي علمت من دين الإسلام، فيحرم هتكها، والوقوع فيها، وتشتد الحرمة حينما يكون الوقوع في العلماء، ومن عظم نفعه للمسلمين منهم لما ورد من نصوص الوحيين الشريفين بعظيم منزلتهم، ومنها أن الله سبحانه وتعالى ذكرهم شهداء على توحيده، فقال تعالى: "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم".

والوقوع في العلماء بغير حق تبديعا وتفسيقا وتنقصا، وتزهيدا فيهم كل هذا من أعظم الظلم والإثم، و هو من أسباب الفتن، وصد المسلمين عن تلقي علمهم النافع، وما يحملونه من الخير و الهدى.

وهذا يعود بالضرر العظيم على انتشار الشرع المطهر، لأنه إذا جرح حملته أثر على المحمول.

وهذا فيه شبه من طريقة من يقع في الصحابة من أهل الأهواء، و صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم شهود نبي هذه الأمة على ما بلغه من شريعة الله، فإذا جرح الشاهد جرح المشهود به.

فالواجب على المسلم التزام أدب الإسلام وهديه وشرائعه، وأن يكف لسانه عن البذاء والوقوع في أعراض العلماء، والتوبة إلى الله من ذلك، والتخلص من مظالم العباد، ولكن إذا حصل خطأ من العالم فلا يقضي خطؤه على ما عنده من العلم.

والواجب في معرفة الخطأ الرجوع إلى من يشار إليهم من أهل العلم في العلم و الدين وصحة الاعتقاد، وأن لا يسلم المرء نفسه لكل من هب ودب فيقوده إلى المهالك من حيث لا يشعر. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

أرجو أن يتضح بهذا البيان الجواب عن سؤالك، سائلاً الله تعالى أن يبصرنا بمواطن الزلل منا، وأن يجعل صدورنا سليمة لإخواننا المسلمين، والحمد لله رب العالمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير