تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأولى: من المعروف عند المحدثين وغيرهم أن أحاديث الصحيحين تلقتهما الأمة بالقبول،ولذلك كانت صحيحة، لأن الأمة معصومة من الخطأ, وهذا التلقي بالقبول خاص بما لم ينتقده الحفاظ، وان هذا الانتقاد لا يخرج هذه الأحاديث المنتقدة عن الصحة غالباً. هذا ما قرره الأئمة الحفاظ وغيرهم من الفقهاء و الأصوليين وقد مر ذكره [ص 9].لكن الألباني في كلامه خطورة كبيرة حيث إنه أطلق الأمر،وجعل لأي مدع الحق في الحكم على أحاديث الصحيحين بما يره في حدود " القواعد العلمية الحديثية ". وهنا تناقض آخر منه لأن القواعد العلمية الحديثية تقرر عكس ما يقوله تماماً فهي مشرقة وهو مُغرب وشتان بين مُشرق ومُغرب.فالقواعد العلمية الحديثية تقرر أن أحاديث الصحيحين صحيحة جداً ولا يجوز النظر في أسانيدها سوى أحرف يسيرة معروفة تكلم عليها بعض الحفاظ كالدارقطني،فلا بد أن يقيد الألباني كلامه بهذا القيد الهام جداً الذي إن تعداه – وقد حصل – يكون قد خالف الإجماع وحكم على الأمة أنها غير معصومة وقد اجتمعت على الخطأ، والله الهادي للصواب.

ثم إن الألباني بمثال يوضح ما توهمه ويظهر للقارئ خطأ منهجه فقال:" فهذا مثلاً حديثهما الذي أخرجاه بإسناديهما عن ابن عباس:" أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو مُحرم ".فإن من المقطوع به أن صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو غير مُحرم،ثبت ذلك عن ميمونة نفسها،ولذلك قال المُحقق محمد بن عبد الهادي في تنقيح التحقيق [2/ 104/1] وقد ذكر حديث ابن عباس:" وقد عُد هذا من الغلطات التي وقعت في الصحيح وميمونة أخبرت أن هذا ما وقع والإنسان أعرف بحال نفسه". ا هـ

أقول وبالله التوفيق: المثال الذي أتى به الألباني عليه لا له،فإنه من الأحاديث المشهورة التي وقع التجاذب بين مدلوليها، ومثلها لا تفيد العلم لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم وقد تكلم العلماء على هذا الحديث واختلفوا فيه منذ القرن الأول وانظر الفتح [9/ 165] ونصب الراية [3/ 170/174] ونيل الأوطار [5/ 17/-19] لترى ذلك، فالألباني أطلق في موضع التقييد وهو خطأ فادح.

على أن الجمع بين ما جاء من انه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو مُحرم وبين نفيها رضي الله عنها ذلك قال به جمع من العلماء، والجمع أولى من غيره وهو سبيل أهل العناية والورع.

وممن أجاد في هذا المقام الإمام الحافظ ابن حبان البستي حيث قال:" وليس في هذه الأخبار تعارض، ولا أن ابن عباس وهم،لأنه أحفظ وأعلم من غيره، ولكن عندي أن معنى قوله: تزوج وهو محرم، أي داخل الحرم،كما يقال:أنجد وأتهم إذا دخل نجداً وتهامة،وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم على الخروج إلى مكة في عمرة القضاء، فبعث إلى المدينة أبا رافع ورجلاً من الأنصار إلى مكة ليخطبا ميمونة له ثم خرج وأحرم، فلما دخل مكة طاف وسعى وحل من عمرته وتزوج بها وأقام بمكة ثلاثاً ثم سأله أهل مكة الخروج فخرج حتى بلغ سرف فبنى بها وهم حلالان، فحكى ابن عباس نفس العقد، وحكت ميمونة عن نفسها القصة على وجهها، وهكذا أخبر أبو رافع وكان رسول رسول الله بينهما فدل ذلك – مع نهيه عليه السلام على نكاح المحرم وإنكاحه- على صحة ما ادعيناه"انتهى من نصب الراية [3/ 173].

فكان يجب على الألباني أن يذهب إلى هذا المذهب القوي دفاعاً عن الصحيحين لا أن يتخذ هذا الحديث قنطرة للكلام على أسانيد الصحيحين حسبما يراه، ولا يقتصر على نقل كلام ابن عبد الهادي وإن كان ابن عبد الهادي قد ضعف القول بأن هذا من غلطات الصحيح، كما يفهم من قوله " عُدّ " بالبناء للمجهول فتأمل.

الثانية: قول الألباني: " فلسنا نعتقد العصمة لكتاب بعد كتاب الله أصلاً ".

هذه والله سقطة شنيعة،فمن المعلوم أن القرآن كلام الله عزوجل غير مخلوق،وكلام الله من صفاته، فكيف يعتقد من يدعي السلفية العصمة لصفة من صفات الله تعالى عما يقولون علواً كبيراً، وهذا الكلام لا يقوله إلا معتزلي يؤمن بخلق القرآن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير