ومن يقرأ تاريخ القاديانية في الهند يجدها مشهدا تاريخيا من مشاهد تمرير المشروع الغربي، إذ هي صنيعة الحاقدين من المستشرقين وعملاء الجيش الإنجليزي، وما أشبه الليلة بالبارحة، فتلك الهجمة الفكرية تسببت في ظهور فتاوى من بعض علماء الهند تضمنت تنازلات من أخطرها جعل جهاد المحتل أمراً غير مشروع!
وللفائدة أُحيل إلى كلام مؤصّل في الردّ على فكرة تطبيع الردّة تلك الفكرة الخطِرة، وتفنيد قوي لشبهات المنقادين لها، وهو للشيخ الدكتور / يوسف القرضاوي سلمه الله، أُلخِّصُه في قوله: " أجمع فقهاء الإسلام على عقوبة المرتد، وإن اختلفوا في تحديدها، وجمهورهم على أنها القتل وهو رأي المذاهب الأربعة بل الثمانية ". الثانية: من جهة الآليات التي يُتوقع لجوء منفذي المؤامرة الراندية، في ضوء المشهد التاريخي للمدونة البابوية:
1) جمع شمل شتات ذوي الأفكار المنحرفة والسعي في التنسيق بينهم في صور متعدِّدة، من مثل: المنتديات والمؤسسات الفكرية العامة في ظاهرها، واللقاءات الشخصية والاستقطابية، والإبراز الإعلامي لأشخاص مغمورين أو منحرفين معروفين، وكذا التنظيمات التي تتخذ من (مؤسسات المجتمع المدني) شعارا، ومن (الليبرالية) مسارا، ومن (المنح الأجنبية) زادا للخيانة.
2) التنقّص من الشخصيات العلمية والدعوية، الحقيقية كأفراد العلماء الربانيين، والاعتبارية كهيئات الإفتاء ولجانه المعتبرة؛ وذلك ابتغاء كسر جلال العلم وتحطيم محدِّدات المنهج، وفتح الطريق للمشروع الأجنبي!
3) السعي في اختراق المجامع الفقهية والمجالس والروابط العلمية الإسلامية القائمة، وتكوين أكثرية مطلقة، ولو كانوا من الإداريين، ليظهر أثرها في القرارات التي تتطلب تصويتا.
4) الضغط على المسلمين دولاً أو جمعيات أو مجامع فقهية أو مجالس إفتاء أو تجمعات إسلامية، أو كلِّ ذلك؛ لاستصدار بيانات ومواثيق متخاذلة تضع من المصلحة الملغية أو المتوهمة مستندا لتنازلاتها، ثم تمرير مضامينها بشكل ما.
5) إيجاد مجامع أو مجالس أو روابط من المنحرفين فكريا ممن ينسبون للعلم الشرعي أو الدعوة الإسلامية، وتلقيبهم بألقاب العلم والفتوى والفكر الإسلامي والخبرة إلخ .. ! ولا سيما في حال فشل محاولات الاختراق للمجامع الفقهية والمجالس الإفتائية القائمة.
6) استهداف إصدار بيان من علماء مسلمين ينتمون إلى مجمع فقهي يتبع منظومة الدول الإسلامية، تُقدّم فيه تنازلات، على نمط المدونة البابوية: تنازلات عن المناهج التعليمية المحافظة وعن القضاء الشرعي حتى في الأسرة والأحوال الشخصية، وعن الوقوف في وجه المرتدين بل وفتح المجال للردة الجماعية أمام إرساليات المنصرين، ويُبقى فيه على مسمى الدِّين على النحو الوارد في تقرير راند 23 م، وربما يسمح بذكر الإسلام في بعض الدساتير الإسلامية، وما تمثيلية (الدستور العراقي) عنا ببعيد.
7) استصدار قرارات من المجامع أو المجالس أو الروابط أو الجمعيات العلمية تخدم الأهداف الراندية.
8) فرض مقتضيات البيان والقرارات المجمعية على الدول الإسلامية التي تمتنع عن تطبيقه، وذلك من خلال آليات ما يُعرف بـ (الشرعية الدولية) كميثاق الأمم المتحدة، سلماً بالفصل الخامس وحربا بالفصل السابع، بحجة حماية حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية ونحو ذلك من شعارات القوم. ولقد رأينا بوادر ذلك، وهو ما حمل على كتابة هذه الرؤية الاستشرفية الحاذرة، مع علمي بأنها دون التحقيق المطلوب ..
هذه بعض الآليات الراندية المتوقعة لتحقيق تلك الأماني الخطيرة الخائبة بإذن الله تعالى، وهي آليات غير إقليمية؛ ولا شك أن ثمة آليات تخص كل بلد على حدة، ربما تمتطي الطابور الخامس، وتتستر بالنفاق السياسي والدبلوماسية الغدّارة، فلا عجب أن ترى علماني فكرٍ يسعى لفتح كلية شرعية! أو ليبرالي أدلجةٍ يطمح إلى الخطابة من منبر جامع عريق! وإننا لنناشد علماء الإسلام في المجامع الفقهية والتجمعات العلمية أن تقف وقفة الحامي لحمى الإسلام الذائد عن حياض الشريعة.
كما نناشد قادة الأمة الإسلامية أن يأخذوا كل الاحتمالات في الاعتبار، ويقفوا بكل ما أوتوا من قوة في وجه كل محاولة لتغيير الدين أو التنقّص من ثوابته، أو تشويه نقائه، فإنهم مسؤولون أمام الله تعالى أولاً ثم أمام شعوبهم، وتاريخ أمتهم ثانياً. وليس ذلك عسيرا، فقد وقفت الدول الإسلامية الجادة، في إبطال بعض المؤتمرات الدولية المُغرضة، وقفة تشكر عليها. وختاما أود التنبيه إلى أمر مهم.
ولا يسعني تجاوز التنبيه عليه في طرح موضوعٍ بخطورة هذا الموضوع، ألا وهو: أهمية البعد عن تصنيف الأشخاص والأعيان، والمؤسسات الدعوية، والعلماء والدعاة وغيرهم، ضمن آليات المخططات الأجنبية دون برهان ودليل، فكم اتهم أشخاص بما لم يخطر لهم على بال، وبين يدي بعض المقالات والرسائل التي يسعى في نشرها بعض أهل الغيرة، تجاوزت الحد في التخمين، حتى نالت من بعض خيار المسلمين.
وإن مما يريب اللبيب، وجود أسماء وطنية عرفت بشرفها، في طيات تقارير أجنبية مُعلنة، كما لا يُستبعد انطلاق تلك الرسائل والمقالات من جهات مغرضة أو أشخاص مغرضين، وصدق الله العظيم: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، وإني لشاكر للإخوة الذين يتثبتون فيما يردهم من رسائل وما يقفون عليه من مقالات؛ حذرا من أن يصيبوا قوما بجهالة.
كفى الله المسلمين كيد الكائدين وجعل مكائد الأعداء وبالا عليهم، وسببا من أسباب نضج الصحوة الإسلامية العارمة، ووفق ولاة أمور المسلمين لتحمّل مسؤولياتهم الكبيرة، وسياسة دنياهم بالإسلام عقيدة وشريعة؛ إنه على كل شيء قدير.
http://www.saaid.net/Doat/otibi/17.htm
¥