تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

13 - وابن عبد البر ترجمه في الكنى [1/ 539] ودافع عنه وأثني عليه ولم يشر إلى كونه مدلساً ولم يدافع عن رميه بالتدليس لأنه لم ينقل عن أحد من المتقدمين عنه ما يدل على ذلك.

14 - والدارقطني لم يذكره في مصنفه في المدلسين كما تدل عليه عباراتهم [طبقات المدلسين ص 45] وهو يدل على مخالفة الدارقطني للنسائي،لأنه تأخر عنه ومع إمامته وتقدمه يبعد عليه ألا يطلع على كتاب النسائي في المدلسين أو يخفى عليه حال تابعي مشهور غالب حديث جابر يدور عليه.

فلم يبق إلا ذكر النسائي له في أسماء المدلسين مع تهويل ابن حزم.ثم جاء من تأخر عنهما فتواردوا على ذلك، ولا حجة لهم إلا شبهة تعلقوا بها وهي رواية اللّيث عنه [غالباً] وقد تقدم أنها لا تدل على تدليسه.فإذا كان شعبة، وابن معين، وابن المديني، وأحمد، و البخاري، ومسلم، و الرازيون، والدارقطني، وابن حبان، وغيرهم من أئمة الجرح والتعديل الذين حفظوا لنا الآثار النبوية وتكلموا على الرجال جرحاً وتعديلاً ولا يحسن بهم أن يسكتوا عن بيان حال الرواة قد اتفقت أقوالهم مع أفعالهم على أن أبا الزبير لم يكن مدلساً ولم ينقل عنهم حرف من ذلك، فلا يحسن بعد ذلك اتهام أبي الزبير بالتدليس والله أعلم.

الثالث:ويؤيده أيضاً عمل الأئمة الحفاظ المصنفين لكتب السنة المعتمدة المداولة منذ قرون بعيدة. فإنك تجد الأئمة الحفاظ المصنفين- إلا البخاري ([15]) الذي علّق له وروى عنه مقروناً بغيره – يروون حديث أبي الزبير محتجين به، وستأتي الأمثلة على ذلك إن شاء الله تعالى عند الكلام التفصيلي على الأحاديث، ولكن يحسن تعداد بعض هؤلاء الحفاظ المشار إليهم.

فإكثار مسلم عنه معروف فهو تصحيح منه لعنعنته،ويضاف إلى مسلم جماعة من الأئمة هم:

أبو زرعة الرازي، قال مكي ([16]) بن عبدان- أحد حفاظ نيسابور -:" سمعت مسلم ابن الحجاج يقول: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي، فكل ما أشار أن له علة تركته،وكل ما قال: إنه صحيح وليس له علة خرجته"اهـ.

أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعثمان بن أبي شيبة،وسعيد بن منصور، وهم من شيوخه، قال مسلم في كتاب الصلاة [4/ 122 بشرح النووي]:" ليس كل شيء صحيح وضعته ههنا،إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه "اهـ.

قال شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني في محاسن الاصطلاح [ص 91]:" أراد مسلم بقوله " ما أجمعوا عليه" أربعة: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعثمان بن أبي شيبة،وسعيد بن منصور الخرساني " اهـ.

ويؤيد صحة توجيه البلقيني لكلام مسلم أن مسلماً تلميذ البخاري وخريجه، وكان يحب أن يقتفي أثر شيخه، والبخاري عندما صنف الصحيح عرضه على شيوخه علي ابن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم ... الخ المذكور في هدي الساري [ص 38/ 489].

فهؤلاء ـ ابن حنبل، وابن معين، وابن أبي شيبة، وابن منصور، و الرازي ـ خمسة من كبار أعيان الأمة في الحفظ ومعرفة الرجال والعلل اتفقوا على صحة أحاديث صحيح مسلم ومنها ما رواه أبو الزبير المكي معنعناً.

واحتج به أبو داود، وسكت عن أحاديثه غير مصرح بالسماع ولم يعلها، وكذا المنذري وافق أبا داود على سكوته. وصحح له الترمذي في جامعه كثيراً. وكذلك الكتب الملتحقة بالصحيح خاصة ابن خزيمة، والمنتقى لابن الجارود، وصحح له الحاكم ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك.

وأما عن اعتماد ابن حبان له في صحيحه فهو كثير جداً، وقد قال في مقدمة صحيحه:

"وأما شرطنا في نقلة ما أودعناه كتابنا هذا من السنن فإنا لم نحتج فيه إلا بحديث اجتمع في كل شيخ من رواته خمسة أشياء،ثم ذكر الخامس منها فقال: المتعري خبره عن التدليس فكل من اجتمع فيه هذه الخصال الخمس احتججنا بحديثه وبنينا الكتاب على روايته،وكل من تعرى عن خصلة من هذه الخصال لم نحتج به".اهـ. [1/ 81 بترتيب الفارسي].

ويلتحق بأصحاب السنن من تأخر عنهم وصنف في الأحكام كالطحاوي والدارقطني.

وهذه في أصول الإسلام المعتمدة، التي عليها المدار في نقل قواعد الدين المتين وأحكام الشريعة، وعلى أعوادها رفع منار السنة ومن طريقها وصل إلينا نور العلم النبوي، والهدي المحمدي، فكيف تر ترجمة اتفقوا عليها واحتجوا بها متفقين أو منفردين؟ وهم أعرف من أي طاعن بالتدليس والمدلسين، إذ هم أرباب الفن ورؤساؤه وحفاظه ونقاده العارفون بعلله ما ظهر منها وما بطن، والله المستعان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير