تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقريب منه قول الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي [ص 503]:"ذكر من عرف بالتدليس و كان له شيوخ لا يدلس عنهم فحديثه عنهم متصل ".وأشار إلى هذه القاعدة الحافظ قطب الدين الحلبي فقال:"المعنعنات التي في الصحيحين مُنزَّلة مَنزِلة السماع إما ... أو لكون المعنعن لا يدلس لا يدلس إلا عن بعض شيوخه ".اهـ. بترف يسير نقلا عن فتح المغيث [1/ 176]،وستأتي نص عبارته [ص 54].

والألباني نفسه ذهب إلى ما ذكرت ,قال في صحيحته [2/ 67]:"هذا إسناد صحيح رجاله ثقات معروفون وأبو رجاء اسمه محرز بن عبد الله الجزري قال أبو داود:ثقة, وكذا وثقه أبو حاتم, وذكره ابن حبان في الثقات وقال: وكان يدلس عن مكحول, يعتبر بحديثه ما بين فيه السماع عن مكحول وغيره. قلت – أي الألباني- هذا الحديث إنما رواه عن مكحول بواسطة برد بن سنان, فزالت بذلك مظنة تدليسه" ([18]).اهـ.

وهنا تعديان للألباني على صحيح مسلم:

الأول: أخطأ الألباني في تضعيفه السند الذي رواه مسلم من طريق أبي الزبير عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أنه حدثه:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه و أوس بن الحدثان أيام التشريق فنادى: أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى أيام أكلٍِ وشرب "،فضعف الألباني سنده بقوله:" وأبو الزبير مدلس، لكن للحديث شواهد كثيرة".اهـ. إرواء الغليل [4/ 128].

ومثله أيضاً تضعيفه ما رواه البخاري [الفتح 3/ 567] معلقاً قال أبو الزبير عن عائشة و ابن عباس:" أخّر النبي صلى الله عليه وسلم طواف الزيارة إلى الليل"،أعله الألباني فقال: " إن هذا معلول عندي فقد قال البيهقي عقبه: وأبو الزبير سمع من ابن عباس،وفي سماعه من عائشة نظر، قاله البخاري. قلت – أي الألباني -: وهذا إعلال قاصر لأنه إن سمع من ابن عباس فالحديث متصل من هذا الوجه فلا يضره بعد ذلك انقطاعه من طريق عائشة،وإنما العلة رواية أبي الزبير إياه بالعنعنة وهو معروف بالتدليس حتى في روايته عن غير جابر".اهـ. إرواء الغليل [4/ 264 - 265].

أقول وبالله التوفيق:البيهقي لم يُعل الحديث كما توهمه الألباني، وإنما أراد أن يبين اتصال السند فذكر تعليق البخاري ثم وصل من طريقين وعقبهما بقوله الذي نقله الألباني. [السنن الكبرى 5/ 144].أما إذا اعتقد الألباني أن بيان البيهقي لاتصال السند هو إعلال له، فهذا ما يفهمه وحده والله أعلم.

وأما قوله:" وإنما العلة رواية أبو الزبير إياه بالعنعنة "،فهذا خطأ، لأن أبا الزبير تابعه طاوس ابن كيسان، قال أبو الشيخ الأصبهاني في جزء ما رواه أبو الزبير عن غير جابر [ل 2/ 2]:" أخبرنا عبد الرحمن ابن أبي حاتم، ثنا يزيد ابن سنان البصري، ثنا يحيى بن سعيد القطان،ثنا سفيان، ثنا محمد ابن طارق، عن طاوس وأبي الزبير، عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم به ".قلت: سنده صحيح مسلسل بالثقات.

وإن لم توجد هذه المتابعة فالسند غير معلول بعنعنة أبي الزبير لما يُعلم مما ذُكر، ويؤيد ذلك عمل الأئمة الحفاظ حيث قبلوا الحديث واحتجوا به ولم يُعلوه. فالبخاري رواه معلقاً جازماً به،جامعاً بينه وبين الأحاديث الأخرى المسندة في صحيحه كما يعلم من طالع الفتح [3/ 567].وسكت عنه أبو داود مع المنذري [مختصر السنن 2/ 428].وحسنه الترمذي [تحفة 1/ 173]،وكلام البيهقي مر ذكره، والحافظ ابن حجر عندما وصل هذا التعليق لم يعله بأبي الزبير ولا بغيره.

وكأن هؤلاء الحفاظ، البخاري إمام أهل الصناعة وغيره لم ينتبهوا لهذه العلة التي أظهرها الألباني مؤخراً في العصر الحديث!!.

تنبيه:

لفظ الحديث في البخاري معلقاً:" أخر النبي صلى الله عليه وسلم الزيارة إلى الليل "،وفي أبو داود:" أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل " فاستشكل بعضهم رواية أبي داود والترمذي وحكموا عليها بعدم الصحة،لما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف قبل الظهر.ولا إشكال هنا،لأن الحديث صحيح كما سبق ذكره. وأجاد العلامة ابن القيم في تهذيب السنن [2/ 428] فقال:"ويحمل أن قولها " أخر طواف يوم النحر إلى الليل " على أنه أذن في ذلك فنُسب إليه وله نظائره ".اهـ.

الثاني:واخطأ الألباني كذلك حيث ضعف حديث مسلم [1/ 260] الذي رواه من طريق أبي الزبير عن عبيد بن عمير قال:"بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، فقالت: يا عجباً لابن عمرو هذا يأمر النساء أن إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن! أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، ولا أزيد أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات ".

قال الألباني: " ... هذا وإن أخرجه مسلم فإن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه ".اهـ. صحيحته [1/ 318].

أقول وبالله التوفيق: أما عنعنة أبي الزبير ففي هذه الفصول ما يرفع أي توقف في عدم قبولها.ولئن سُلمَ بتدليس أبي الزبير فإن تدليسه هنا بعيد لأمرين:

الأول:لأنه يروي عن عبيد بن عمير وهو من التابعين فلو أراد أن يُدلس لأسقطه وروى عن عائشة مباشرة.

الثاني:روى أبو الشيخ الأصبهاني الحديث المذكور في جزء ما رواه أبو الزبير عن غير جابر [ل 5/ 1 - 2] من طريق اللّيث ابن سعد عن أبي الزبير، لكنه جاء في الجزء المذكور موقوفاً وليس فيه استدراك السيدة عائشة على عبد الله ابن عمر ومجيئه موقوفاً لا يضر، لأن له حكم المرفوع، إذ ليس للرأي فيه مجال. وقد اتفقوا على صحة ما رواه اللّيث عن أبي الزبير.

فاندفع بذلك تعدي الألباني على هذا الحديث الصحيح، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

يتبع إن شاء الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير