تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[السارق المتفقه الذي جرد قاضي البلد من ملابسه]

ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[27 - 08 - 07, 08:39 ص]ـ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنَا مُحمَّدٍ وَآلهِ وَصَحبِهِ أَجْمَعِيْنَ وَبَعْدُ:

فَقَد كنتُ أَنْوِي أنْ أكتبَ موضوعًا عن التقليدِ للآخرينَ من غيرِ بصيرةٍ، ومحاولةِ محاكاتِهِم في أقوالهِم، أو أفعالهِم، أو طريقةِ لِبَاسِهِم، وغيرِها من الأمورِ المشاهدةِ، فبَحَثْتُ عن بيتِ شِعْرٍ أحفظُهُ لأُضِيْفَهُ، فَتَذَكَّرْتُ البَيْتَ الَّذي فِيْهِ مُحَاولةُ تقليدِ الغرابِ للقَطَاةِ، وَ أَثَنَاءَ الْبَحْثِ وقفتُ على قصَّةِ طريفةِ، نشرَهَا أحدُ الإخوةِ في مُلْتَقَى أَهْلِ الحَدِيْثِ قبلَ مدَّةٍ ([قصص طريفة عن اللصوص] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=90174&highlight=%C7%E1%E1%D5%E6%D5) ) ، فلمَّا رَأيْتُهَا، قُمتُ بِنَسْخِهَا مِنْ مَصْدَرِهَا، ثمَّ رَتَّبْتُ فقرَاتِهَا، لتَسْهُلَ عندَ القراءةِ، فلا يَمَلُّ القارئُ مِنْهَا لِطُوْلِهَا، ثُمَّ أَضَفْتُ إِلَيْهَا تَعْلِيْقَاتٍ يَسِيْرَةٍ لِزِيِادَةِ الفَائِدَةِ.

قال ابنُ السُّبْكِيِّ (1) أخبرنا الحافظ أبو العباس أحمد بن المظفر بن أبي محمد النابلسي بقراءتي عليه أخبرنا الشيخان محمد بن علي بن أحمد الواسطي وأحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسي سماعا عليهما قالا أخبرنا أبو المحاسن محمد بن السيد بن فارس الصفار أخبرنا أبو القاسم الخضر بن عبدان أخبرنا سهل بن بشر الإسفرايني أخبرنا مشرف ابن المرجي المقدسي أخبرنا أبو عبد الله الحسن بن محبوب المنصوري النحوي حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسين القاضي بنهاوند حدثنا محمد بن الحسين الرازي حدثني أبي عن جدي عن محمد بن مقاتل الماسقوري قاضي الري قال:

كان محمد بن الحُسَيْن يكثر الإِدْلاَجَ إلى بساتينهِ فيصلي الصبحَ ثمَّ يعودُ إلى منزلِهِ إذا ارتفعتِ الشمسُ وعلا النهارُ

قال محمد بن مقاتل فسألتهُ عن ذلكَ؟!

قال: بلغني في حديثٍ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ ((حُبِّبَ إليَّ الصَّلاةُ فِي الحِيْطَانِ)) (2)

وذلكَ أنَّ أهلَ اليَمَنِ يسمونَ البُسْتَانَ الحَائِطَ

قال محمد بن الحسين: فخرجتُ إلى حائطٍ لي لأصليَ فيهِ الفجرَ رغبةً في الثوابِ والأَجْرِ، فعارضني لصٌّ جَريءُ القَلبِ، خَفيفُ الوَثْبِ، في يدِهِ خِنجرٌ كلسانِ الكلبِ، ماءُ المَنَايَا يجولُ على فِرِنْدِهِ، والآجالُ تلوحُ في حدِّهِ، فضربَ بيدِهِ إلى صَدْرِي، ومكَّنَ الخِنْجَرَ من نَحْرِي، وقال لي بفَصَاحةِ لسانٍ، وجُرْاءةِ جَنَانٍ: انزعْ ثيابكَ، واحفظْ إِهَابَكَ، ولا تكثرْ كلامَكَ، تُلاقِ حِمَامَكَ، ودعْ عنكَ التَّلَوُّمَ وكثرةَ الخِطابِ، فلا بدَّ لكَ من نزعِ الثِّيابِ.

فقلت له: يا سبحانَ اللهِ؛ أنا شيخٌ من شُيُوخِ البَلَدِ، وقاضٍ من قُضَاةِ المُسلميْنَ، يُسمعُ كلامِي ولا تُردُّ أحكَاِمي، ومع ذلكَ؛ فإني من نَقَلَةِ حَدِيْثِ رسُولِ اللهِ منذُ أربعينَ سنَةً، أمَا تَستَحْيِي منَ اللهِ أنْ يراكَ حيثُ نَهَاكَ.

فقال لي: يا سبحانَ اللهِ؛ أنتَ أيضًا أمَا تَراني شابًا ملءُ بدَنِي، أروقُ الناظرَ، وأملأُ الخاطرِ، وَآوي الكهوفَ والغِيْرَانَ، وأشربُ ماءَ القِيعانِ والغُدْرَانِ، وأسلكُ مَخُوْفَ المَسَالِكِ، وأُلْقِي بِيَدَيَّ في المَهَالِكِ، ومع ذلكَ؛ فإني وجلٌ من السلطانِ، مُشرَّدٌ عن الأهلِ والأوطَانِ، وحشيٌّ أن أعثرَ بواحدٍ مثلكَ، وأتركُهُ يمشي إلى منزلٍ رَحْبٍ، وعيشٍ رَطْبٍ، وأَبْقَى أنَا هُنَا، أكابدُ التعبَ، وأنَاصِبُ النَّصَبَ، وأنشأ اللصُّ يقول:

تُرِى عَيْنَيْكَ مَا لَمْ تَرَيَاهُ = كِلانَا عَالِمٌ بِالتُّرَّهَاتِ

قَالَ القَاضِي: أراكَ شابًا فَاضلاً، ولصًا عاقلاً، ذا وجهٍ صبيحٍ، ولسانٍ فصيحٍ، ومنظرٍ وَشَارَةٍ، وبراعةٍ وعبارةٍ.

قَالَ اللِّصُّ: هو كما تذكرُ وفوقَ ما تَنْشُرُ.

قَالَ القَاضِي: فهل لكَ إلى خصلةٍ تُعقبكَ أجرًا، وتُكسبكَ شُكرًا، ولا تَهْتِكُ مني سترًا، ومع ذلكَ؛ فإني مُسَلِّمٌ الثيابَ إليكَ، ومتوفرٌ بعدَهَا عَلَيْكَ.

قَالَ اللِّصُّ: وما هذه الخصلةُ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير