تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والأدهى والأمر والذي يندى منه الجبين، وتقشعر منه الأبدان،أن يقول: ((كان الأحرى به أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة)).فانظر-رحمني الله وإياك-إلى هذه الجرأة الشنيعة التي لم يسبق إليها،يحشر حديثاً في صحيح مسلم ضمن سلسلته التي سماها ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء على الأمة))، فيسبك هذا الحديث مع احاديث الهلكى والكاذبين،لأنه لم يطلع على تصريح أبي الزبير بالسماع عند أبي عوانة [5/ 228].

أليس هذا من الظلم والتعدي والتشهير أن يكون حديث في صحيح مسلم مسبوكاً في كتاب واحد مع حديث محمد بن سعيد المصلوب الشامي، وأحمد الجويباري،ومحمد بن عكاشة الكرماني، وغيرهم من الهلكى والكاذبين؟!! وهذا لأنه تدخل فيما انتهي منه منذ زمن بعيد، واتفقت الأمة عليه، وهو بعمله هذا يجرئ الناس على السنة النبوية الشريفة فيأتي بعض الجهلة الأغمار ممن لا يفرقون بين القاع والدار، ولا بين اليمين والشمال، فيتكلمون على صحيح مسلم وينتقدون أسانيده، وعندها تحدث فوضى عظيمة، فأولى له أن يرجع عن كلامه هذا والله يتولانا برحمته.

2 - ثم قال الألباني: ((ذلك لأن أبا الزبير هذا مدلس، وقد عنعنه، ومن المقرر في علم المصطلح أن المدلس لا يحتج بحديثه إذا لم يصرح بالتحديث، وهذا هو الذي صنعه أبو الزبير هنا فعنعن، ولم يصرح)).انتهى كلام الألباني.

قلت: هذه طريقة من يلقي الكلام على عواهنه غافلاً عن تفصيل الحفاظ في هذا الباب فإطلاقه رد رواية المدلس خطأ مخالف للواقع، ولعمل الحفاظ المتقدمين والمتأخرين، والمسألة فيها تفصيل معلوم لعامة طلبة الحديث.

وقد تقدم أن من اتهم أبا الزبير بالتدليس فقد أقام دعوى بدون دليل. وإن سلمنا بأن أبا الزبير كان مدلساً، فليصعد به إلى المرتبة الثانية من المدلسين فتقبل عنعنته. وإن سلمنا أنه لا يصعد به إلى الثانية، فحديثه عن جابر بن عبد الله مقبول. وإن سلمنا أن عنعنته مردودة حتى في مسلم، فينبغي للمعترض أن ينظر في المستخرجات على الصحيح التي من فوائدها ذكر تصريح المدلس بالسماع. وهي عقبات لا يمكن تخطيها، وقد مر الكلام عليها بدلائلها بما أغنى عن إعادتها مرة ثانية.

3 - ثم قال الألباني: ((ولذلك انتقد المحققون من أهل لعلم أحاديث أبي الزبير بهذا الإسناد أخرجها مسلم)). انتهى كلام الألباني.

لا يخفى أن مسلماً وأبا داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود وأبا عوانة وغيرهم من حفاظ الأمة المتقدمين والمتأخرين صححوا واحتجوا بما رواه أبو الزبير معنعناً. وهؤلاء المحققون حقاً الذين نقلوا لنا الشريعة بيضاء نقية، وعليه فليقل لنا الألباني من هم المحققون في نظره؟.

أليس هذا رامياً لهؤلاء الأئمة الحفاظ بعدم التحقيق، وتعدياً بالتالي على السنة المطهرة؟.

ومن هم المحققون الذين انتقدوا مسلماً؟.

لابد أنه يعني ابن حزم رحمه الله تعالى،وقد تقدم بعض الكلام عليه بما أغنى عن إعادته. وأزيد عليه هنا قول الألباني نفسه: ((ومن عرف شذوذ ابن حزم في علم الجرح عن الجماعة كمثل خروجه عنهم في الفقه لم يعتد بخلافه)).اهـ. صحيحته [2/ 11].

4 - ثم نقل الألباني كلام الحافظ الذهبي الذي تقدم التنبه عليه [ص 58 - 60]،ثم نقل كلام الحافظ بشأن أبي الزبير في التقريب () وفي طبقات المدلسين، وقد تقدم نفي دعوى التدليس بما أغنى عن الإعادة.

ولكن الألباني الذي يستدل بكلام الحافظ هنا عن أبي الزبير، غاب عنه أن الحافظ رحمه الله تعالى كان متتبعاً واعياً يفرق بين ما في صحيح مسلم وغيره. وقد نص على أن أحاديث الصحيحين تفيد العلم النظري كما تقدم [ص 17]،ونص أيضاً أن حديث المدلس الذي لم يصرح بالسماع في الصحيحين محمولة على السماع كما تقدم [ص 53]،وقد صرح الحافظ بتصحيح الحديث الذي ضعفه الألباني هنا. وعليه فعمل الحافظ وكلامه لا يؤيدان الألباني،بل يخالفانه كل المخالفة، فافهم هذا وتدبر.

5 - وإذا علمت ما سبق،فإن قول الألباني: ((وجملة القول: أن كل حديث يرويه أبو الزبير عن جابر أو غيره بصيغة عن أو نحوها، وليس من رواية الليث بن سعد، فينبغي التوقف عن الاحتجاج به، حتى يتبين سماعه، أو نجد ما يشهد له، ويعتضد به)).اهـ. مردود عليه بما يشفي - إن شاء الله تعالى- في الفصول المتقدمة. وهو بقوله هذا كأنه يستدرك على المتقدمين بما يظهر براعته، وأنه جاء بما عسر على الحفاظ الذين تتابعوا على تصحيح ما رواه أبو الزبير عن جابر - غير مصرح بالسماع - فضلاً عن الأمة التي صححت الحديث المذكور وغيره ما دام في صحيح مسلم، فيقول ((ينبغي)) فيوجه بكلامه هذا الخطير إلى النظر في أسانيد الصحيح،وقد تجاهل الألباني بأن الصحف قد جفت ورفعت الأقلام في تصحيح أحاديث الصحيح، الذي صنف في القرون المفضلة، وإلا كانت الأمة ضلت عن سواء السبيل، ثم جاء الألباني يردها إلى السبيل.

لكن بعد هذا كله لا أطمع أن يقول محمد الأمين-كالعادة - أن ما سطره الالباني يشان فيه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير