تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا الشهر الكريم مدرسة للصبر، والصبر من أعلى مراتب العبودية لله، أحب الله الصابرين ووعدهم بمعيّته فقال: {والله يحب الصابرين} وقال سبحانه: {إن الله مع الصابرين} وبين فضلهم وشرفهم وعلو درجتهم فقال: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} وبغير حساب من الله ليست بالهينة، ولذلك ليس هناك أقوى من المؤمن إذا قوّاه الله بالصبر حتى قال عمر -رضي الله عنه وأرضاه-: وجدنا ألذ عيشنا بالصبر، فالصابرون هم أحباب الله، فالصابرون هم أولياء الله، وإذا أراد الله بعبده خيرا ابتلاه لكي يصبر ويحتسب الأجر عند الله سبحانه وتعالى، فكم من منكوب في نفسه وجسده بالآلام والأمراض والأسقام لا يشتكي إلا إلى ربه، وكم من مكلوم في زوجه وأهله وولده يمسي ويصبح على فجائع تروّع القلوب في أولاده وأطفاله، وكم من مكروب منكوب مبتلى في رزقه وعيشه فلا يطلب مالا ولا يريد عملا إلا قفل في وجهه، وكم وكم من أناس إذا صدقوا مع الله صدق الله معهم، ولن يصدقوا بشيء أعظم من الصبر، الصبر روح من الله سبحانه وتعالى يؤيد بها أولياءه، ولا يعطي الله الصبر إلا لمن يريد به خير الدنيا والآخرة.

بالصبر اتسع الضيق بإذن الله سبحانه وتعالى، وبالصبر عادت الأحزان والأشجان أفراحا بإذن الله سبحانه وتعالى، بالصبر قويت شكيمة المؤمن وقويت عزيمته؛ لأنه يعلم أن الله معه، وأن الله لن يخذله، ولذلك كان علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - يقول: ألا وإن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الروح من الجسد، ألا لا إيمان لمن لا صبر له، ألا لا إيمان لمن لا صبر له)) فيقول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يسلي الصابرين بما لهم عند رب العالمين ((ومن يصبر يصبره الله)) وإذا بها ثلاثون يوما أو تسع وعشرون يعلم الإنسان هذه الخصلة الشريفة العزيزة المنيفة التي يصلب بها عوده أمام شدائد الدهر والنكبات والفجائع، يعلّم كيف يصبر حتى يخرج من رمضان فإذا رأى المكروب قال الحمد لله على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل النار.

يصوم العبد المؤمن لكي يعلّم الصبر، ولذلك سمي شهر رمضان بشهر الصبر، وكان جزاء رمضان عظيما؛ لأنه يقوم على الصبر، ففيه الصبر عن معصية الله، وفيه الصبر فلا يغتاب ولا يسخط ولا يجهل، وفيه الصبر على طاعة الله سبحانه وتعالى وهذا من أعلى المراتب وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى.

فرمضان مدرسة يعلّم الإنسان من خلالها كيف يصبر، وما صبر على شدائد الدنيا وفتنها ومحنها مثل المؤمنين، ولا ثبت أمام النكبات والملمات أهل دين أعظم من ثبات أهل الإسلام، ولا قويت شكيمة أمة أعظم من شكيمة أمة الإسلام، فليس هذا بضرب من الكلام الذي لا حقيقة له، فمن قرأ التاريخ أدرك أنها أمة صابرة، وأنها أمة معلمة من ربها لا تحتاج لأحد أن يعلمها، وأنها أمة زكت وزكاها مولاها حينما جعلها خير أمة أخرجت للناس، ولن تجد عبدا يبوأ في هذه الدنيا مبوأ صدق فترتفع مكانته وتعلو منزلته ويحبه ربه بشيء أعظم من الصبر، إنه الثمن الذي يدفعه الإنسان لكي ينال سلعة الله الغالية بفضله ورحمته سبحانه، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة، دخلها الصابرون وارتفعت الدرجات فيها للصابرين، والملائكة يدخلون على أهل الجنة من كل باب {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} وقال الله عن أهل الصبر: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور} فنسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يفرغ علينا صبرا، وأن يثبت أقدامنا وأن ينصرنا على القوم الظالمين.

يعيش المسلمون أيام رمضان لكي يعلّم هذه الأخلاق الفاضلة، ويتربوا على هذه المعاني السامية، يعلم المسلم الصبر بملامح جميلة جليلة أجمل ما تجد وأكمل ما تجد تعليما حينما تنظر إلى شرائع الإسلام، ولا ينبؤك مثل خبير، والله سبحانه هو الذي يعلّم وهو الذي يهدي سبحانه وتعالى، فعلم آدم الأسماء وعلم داود وفهم سليمان، علم العلماء وعلم الأنبياء سبحانه وتعالى، هذا التعليم تجد في شرائع الإسلام الصبر في شريعة الصوم في مقامات جميلة، الصابر أحوج ما يحتاج إليه أن يستشعر حسن العاقبة، وأن بعد العسر اليسر، وأن بعد الشدة الرخاء، وأن بعد الضيق السعة، وأن لكل شيء قدرا، لا يستطيع أن يزيد على قدره، تأمل رحمك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير