تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الله ساعات الصوم يبتدئ في أول اليوم من فجره وجعل الله ابتداء الفجر في ساعة الغالب فيها الجو على أحسن وأفضل ما يكون، ثم يشتد النهار حتى يبلغ الذروة، فإذا كانت أيام الصوم في شدة الصيف والحر والقر أصاب الإنسان من التعب والنصب والجهد ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فمعناه أن كل كربة تأتيه فتشتد وتصل إلى أعلى درجة، وإلى الغاية التي جعلها الله بقدرته وعظمته لن تستطيع أن تجاوزها، فمهما كان عليك من ضيق ومن شدة ومن بلاء وكربة فلن يستطيع أن يجاوز أمرا حده الله سبحانه وتعالى، فيصل الإنسان إلى أقصى النهار فيشتد ظمؤه ويشتد نصبه فتأتي الرحمة من الله فتنكسر وهيج الشمس وتنكسر شدة النهار ثم بعد ذلك لا يصل قبل المغرب إلا وقد بلغت الروح ما بلغت، خاصة إذا كان صاحب عمل وخاصة إذا كان سحوره قليلا وخاصة في أيام الشدة والضعف فلا يصل إلى آخر النهار إلا وقد ضاقت عليه نفسه ضيقا طبيعيا جبليا بشريا، لكنها ما تضيق مع الإيمان، فهو ثلاثون يوم أو تسع وعشرون يوم كل يوم يصل إلى شدة ثم إذا به قد غابت عليه شمسه وأصاب فطوره، فذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله.

الثلاثون يوم أو تسعة وعشرين يوم بعض الخبراء في النفوس وطبائع النفوس أن الإنسان إذا أمضى لو عشرين يوم على حالة يتعلم منها، فما بالك إذا مر عليه شهر كامل تصبح النفس على يقين أنه إذا اشتد الكرب فبعده الفرج، وأنه إذا ضاقت الأمور فإن الله يوسّعه، فإن الله سبحانه وتعالى سيأتي بالفرج من عنده.

ثم تأمل رحمك الله تلك المدرسة الجميلة الجليلة في عبادة الصوم من تراحم المسلمين وتوادّهم وتعاطفهم، تأمل رحمك الله عبادة الصوم من بدايتها إلى نهايتها، فأنت تنتقل إلى من مَعْلم إلى مَعْلم، ومن مشهد إلى مشهد، ومن مدرسة إلى مدرسة تزيد في إيمانك وتثبتك في جنانك وتدلك على عظمة هذا الرب سبحانه وتعالى.

الله أكبر إذا وقف الناس عند غروب الشمس فدنت الشمس من الغروب، وحانت ساعة الإفطار، تلك الساعة التي يربح فيها المتاجرون الصادقون المؤمنون، ويخيب عندها المفطرون المضيعون المحرومون -والعياذ بالله-.

يقف الناس في آخر النهار عند دنو الشمس لمغيبها وإذا بالإنسان جميع ما مر عليه من التعب والنصب كأنه لا يشعر به، وهذه سمة وعلامة في طاعة الله كلها، فلن تتعب في طاعة ولن تنصب في طاعة إلا وقفت في آخرها محمود العاقبة، والعاقبة للمتقين، والعاقبة للتقوى، شهد الله أنه ما من عبد يطيعه إلا جعل الله له العاقبة الحميدة، ولذلك المرد الجميل والمخرج الجميل والمآل الجليل لا يكون إلا بفضل الله ثم بالطاعة، ومن هنا أطبق الحكماء والعقلاء على أنه ليست العبرة بالبدايات وإنها العبرة بالنهايات، ولذلك جعل الله الحكمة في النظر إلى آخر الشيء {أفلا يتدبرون القرآن} التدبر ما هو؟ دبر الشيء آخره فجعل الله الحكمة في النظر للعواقب، ومن هنا تجد سمة عجيبة أن الإنسان لا ينظر إلى البداية، ولا ينظر إلى الحالة الذي هو فيه، ولكن يسأل نفسه إلى أي شيء ينتهي، وإلى أي شيء ينقضي.

كأن شيئا لم يكن إذا انقضى وما مضى مما مضى فقد مضى

فإذا كنت بهذه النفس تستشعر دائما في أي طاعة أنك ستؤول إلى رحمة الله وإلى عفو الله وإلى مغفرة الله لن تبال بأي شيء تناله في سبيل ذلك، ومن هنا تتربى النفس على هذه القوة المستمدة من اليقين بالله سبحانه وتعالى وهي التي ثبت بها أهل الثبات -جعلنا الله وإياكم منهم إلى الممات - وبها رابط المرابطون، وثبت المجدون ونالوا بها مرضاة الله في الدنيا والآخرة، في شهر الصيام ينبغي للمسلم أن يحرص على أن يؤدي عبادته على أكمل وأفضل وأجمل ما يكون عليه الأداء، فيسرّ في قرارة نفسه أنه عاقد العزم بإذن الله على أن يصوم صيام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فيمتنع عن طعامه وشرابه وشهوته، ويبتعد عن كل شيء ينقص أجره في الصيام، ويلتمس كل شيء يزيد من أجره عند الله سبحانه وتعالى، ساعات قليلة، أياما معدودات يقول الله سبحانه وتعالى ولكنها فاضلات كاملات عظيمة الأجر عند الله سبحانه وتعالى وهل هناك مثوبة أعظم من تكف بها النار عنك، لاشك أنها أعظم مثوبة {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}، ففيها أعظم نعمة تكون سببا للفوز بإذن الله عز وجل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير