تأملات في مقاصد الصيام الشرعيَّة ... مهم جداً
ـ[خباب الحمد]ــــــــ[01 - 09 - 07, 12:18 م]ـ
مقاصد الصيام
خباب بن مروان الحمد
الحمد لله ذي الطول والآلاء، وصلَّى الله على سيدنا محمد خاتم الرسل والأنبياء، وعلى آله وصحابته الأتقياء، أمَّا بعد:
فإنَّ دين الإسلام دين مبني بعد إفراد الله بالعبادة على الحكمة والخير العميم، ولهذا لم يشرع ـ سبحانه وتعالى ـ أحكام هذا الدين دون فوائد مرجوَّة، ومقاصد جليلة، فإنَّ لهذه الشريعة الإسلامية تكاليف سامية المقاصد، نبيلة الفوائد، بديعة الأسرار.
ومن المعلوم أنََّ من أسمائه ـ سبحانه وتعالى ـ: الحكيم، ومقتضى هذا الاسم أنَّه متَّصفٌ بالحكمة، فكلُّ ما شرعه الله وقدَّره وأمر به فهو لحكمة بالغة.
فهو ـ سبحانه ـ لم يكلِّفنا بالعبادات لأجل الإشقاق علينا، أو لنكون قائمين بتطبيقها فحسب، أو لحاجته ـ تعالى ـ لنا، كيف وهو يقول: (والله الغني وأنتم الفقراء) بل شرعها ـ تعالى ـ لمصلحتنا وتربيتنا، لتكون هذه العبادات زاداً لنا على طريق الهدى، وفي هذا يقول الإمام البيضاوي ـ رحمه الله ـ: (إنَّ الاستقراء دلَّ على أنَّ الله ـ سبحانه ـ شرع أحكامه لمصالح العباد) (المنهاج: صـ233).
وتلك الحكم والمعاني السامقة لا تفهم إلاَّ بالبحث والاستقراء والتتبع؛ لما يسمِّيه علماء الإسلام بـ: (فقه المقاصد الشرعية)، ومن المتيقَّن أنَّ الأحكام إذا ربطت بعللها ومقاصدها اقتنع الناس بها، وكان لها دورٌ كبير في تأديتها على الوجه اللاَّئق بها؛ فإنَّ كثيراً من الناس يلتزمون العبادات، بيدَ أنَّهم قد يفقدون روحها ومعانيها، ولعلَّ من أسباب ذلك ضعف علمهم بمقاصدها؛ فيؤدُّون عباداتهم وكأنَّها عادات وتقاليد ورثوها عن آبائهم؛ فلا يشعرون بلذَّتها وحلاوتها، ولا يستفيدون من القيام بها على الوجه المطلوب.
لهذا كان من المناسب أن أعرِّجَ على ذكر شيء من مقاصد الصوم، وحِكَمه الباهرة، وخاصَّة أنَّ أهل العلم كانوا يولون لعلم مقاصد الشريعة مرتبة عالية، ورحم الله الإمام ابن تيمية حين قال: (من فهم حكمة الشارع كان هو الفقيه حقَّاً) (بيان الدليل على بطلان التحليل: صـ351) بل إنَّه ـ رحمه الله ـ يرى: أنَّ معرفة مقاصد الشريعة هي خاصَّة الفقه في الدين، فيقول: (خاصَّة الفقه في الدين ... معرفة حكمة الشريعة ومقاصدها ومحاسنها) (الفتاوى:11/ 354)
فمن المهم أن نعقل تلك الحقيقة الربانية، ونعلم أنَّ من تمام العبودية لرب الخلق والبرية، أن تكون عباداتنا خالصة لوجهه الكريم، وعلى سنَّة خير المرسلين محمد بن عبد الله عليه من ربنا أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وأن تكون تلك العبادات معينة على زيادة الإيمان، ليكون لها تأثيرٌ جليٌّ على النفوس والأبدان، وإلا كانت عباداتنا عادات، وحينها فليخشَ المسلم على نفسه من مشابهة أهل النفاق، الذين يصلون ويركعون ويحجون ومع ذلك لا يُكتب لهم في رصيد الدرجات حسنات، بل معاصٍ وسيئات، وسبب ذلك أن تلك العبادات لم تخالط سويداء قلوبهم، فصيَّرتهم إلى ماصيَّرتهم: (صمٌّ بكم عمي فهم لا يعقلون).
كما أنَّه من اللازم لنا حيث أنَّنا عبيد لله ـ سبحانه ـ أن نقرَّ بوجوب التسليم للنصوص الشرعية، سواءٌ أدركت الحكمة أو لم تُدرك، وأن نعلم أنَّ تلك العبادات شرف لنا، ورفعة لمقامنا عند ربِّنا، بل إنَّ من تمام حرِّيتنا لله كمال عبوديتنا له سبحانه، وقد أحسن القاضي عياض حين قال:
وممَّا زادني شرفاً وتيهاً ... وكدت بأخمصي أطؤ الثريَّا
دخولي تحت قولك يا عبادي ... وأن صيَّرت أحمد لي نبياً
ومن هنا، فإنَّ الصوم شرع لمعانٍ سامقة، وحكم برَّاقة، وفي هذا يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ: (والمقصود: أنَّ مصالح الصوم لمَّا كانت مشهودة بالعقول السليمة، والفطر المستقيمة، شرعه الله لعباده رحمة بهم، وإحساناً إليهم، وحمية لهم وجُنَّة) (زاد المعاد2/ 30) ولعلي أطرِّز مقالي هذا بشيء من تلك الفوائد والحكم ليتبًّين من خلاله روعة الشريعة الإسلامية، ومحاسنها؛ فمن تلك المقاصد والحكم:
1ـ تحقيق التقوى بعبودية الله ـ عزَّ وجل ـ:
¥