تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحقيقة أنَّ هناك بعض المسلمين يفرِّط في حفظ هذه الأمانة التي استرعاه الله إيَّاها، (فقد حصل من الإنكليز أكثر من مرَّة امتحان العمَّال المسلمين بين الصيام وبين خيانة الله فيه، وذلك بإغرائهم بمضاعفة الأجور للمفطرين حتَّى إذا انتهى الشهر عكسوا الأمر، فضاعفوا أجور الصائمين، ونقصوا المفطرين أو طردوهم، مع التصريح لهم أنَّهم خونة خانوا دينهم) كتاب (الصوم مدرسة تربِّي الروح للشيخ: عبدالرحمن الدوسري/ صـ36)

والشاهد من هذا أنَّ المسلم ينبغي أن يلازم صيامه بتقوى الله في السِّر والعلن، وأن يكون صيامه على منهاج النبوَّة والسنَّة المحمدية، ولهذا فمن يصوم زيادة على ما قدَّره الشارع الحكيم ـ كمن يصوم من الفجر إلى العشاء ـ فإنَّه ليس من الصوم الذي شرعه الله واتُّقِيَ به، وكذلك من يفطر بعد صيامه على ما حرَّم الله كمن يفطر على الدخان أو الخمر أوغير ذلك من المسميات الخبيثة، فإنَّه لا يعتبر ممَّن جرَّه صيامه للتقوى وملازمة مراقبة الله، وإن كان صيامه ولا شك وفطره على محرَّم أحسن حالاً ممن لا يصوم ويأكل المحرم.

وقد ذكر العلماء أنَّ الفارابي ـ وهو فيلسوف معروف كانت له طريقة ضالة في العقيدة وكان موسيقاراً مشهوراً يجيد العزف على آلات الموسيقى والطرب المحرمة ـ قد لزم في آخر عمره الصيام، إلاَّ أنَّ صومه لم يجرَّه للتقوى؛ لأنَّه كان يفطر على الخمر المعتَّق ـ والعياذ بالله ـ فأين الفائدة إذاً من ذاك الصيام، إلاَّ الوقوع فيما حرَّم الله؟!

2ـ تزكية النفس:

من مقاصد الصيام الجليلة أنَّّ فيه تزكية للنفس وتنقية لها من الأخلاق الرذيلة؛ خاصَّة أنَّه شرع في شهر من خصوصيَّاته تصفيد الشياطين، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنَّة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين) أخرجه البخاري ومسلم.

ولهذا يضيِّق الصوم مجاري الشيطان في بدن الإنسان ـ وكما هو معلوم ـ فإنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، إلاَّ أنَّه بالصيام يضعف نفوذه، فإذا أكل المرء أو شرب انبسطت نفسه للشهوات، وضعفت إرادتها، وقلَّت رغبتها في العبادات، وفي الحديث: (إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) زاد بعضهم: (فضيِّقوا مجاريه بالصوم) والزيادة هذه باطلة لا أصل لها، ولكن العلماء قالوا: إنَّ التضييق عليه يكون بتضييق مجاريه بالجوع ومنه الصوم، فالجوع يكسر الشهوة، ومجرى الشهوات الشيطان، ولهذا كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يوصي الشباب ـ والذين تموج بهم عواصف الشهوات، وتكون غرائزهم مهيأة لاقترافها أكثر من غيرهم ـ بالزواج؛ فإن لم يستطيعوا إليه سبيلاً، فإنَّ أنجع طريق لهم مقيِّدة لشهواتهم وكسر حدَّتها؛ الصوم؛ فيقول ـ عليه السلام ـ: (يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنَّه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنَّه له وجاء) أخرجه البخاري (4/ 101) ومسلم (1400)

يقول ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ: (وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحَّتها؛ فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات) (زاد المعاد2/ 29)

ويقول الإمام الكمال بن الهمام ـ أحد فقهاء الحنفية ـ في فوائد الصوم: (أنَّ الصوم يسكن النفس الأمَّارة بالسوء ويكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج؛ ولذلك قيل: إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء، وإذا شبعت جاعت كلُّها) ا. هـ من فتح القدير.

ومن جميل ما اطَّلعت عليه من أبحاث أحد علماء الإعجاز العلمي أنَّه ذكر في سبب ترغيب رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ للمسلمين أن يصوموا الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر هجري،أنَّ البحر يمد في هذه الأيام لضوء القمر بقدرة الله ـ عزَّ وجل ـ ويصيب البحر الجزر في الليالي الظلماء، وكذلك الدم فإنَّه يزيد ضخه في هذه الأيام فأمر ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالصيام؛ لأنَّ الشيطان يزيد من عتوِّه، وكلام هذا العالم جيد ولا يعارض النصوص؛ ولله الحمد والمنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير