الراوي الذي خلا عن التعديل وجاء فيه جرح غير مفسر, اختار الحافظ في النخبة [ص 73] قبوله. واختار الحافظ ابن الصلاح في مقدمته التوقف فيه, وقال: ((توفقنا عن قبول حديث من قالوا فيه كذلك-أي الجرح المجمل-بناءً على أن ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلُها التوقف. ثم من انزاحت عنه الريبة منهم ببحث عن حاله أوجب الثقة بعدالته قبلنا حديثه, ولم نتوقف كالذين احتج بهم صاحبا الصحيحين وغيرهما ممن مسهم مثل هذا الجرح من غيرهم, فافهم ذلك فإنه مخلص حسن والله أعلم)).انتهى كلام الحافظ ابن الصلاح [140/ 141].
فإذا كان الراوي الذي أجمل فيه الجرح وخلا عن التعديل واحتج به صاحبا الصحيحين قد دخل بذلك في عداد الثقات والعدول. فما بالك بعياض ابن عبد الله الفهري الذي جاء فيه جرح مبهم, وتوثيق له من أحمد بن صالح المصري وابن حبان وابن شاهين. خاصة أحمد بن صالح المصري الإمام الحافظ فإنه مصري مثل عياض بن عبد الله الفهري المدني ثم المصري, ورجل مثل أحمد ابن صالح الذي قال عنه يعقوب الفسوي: ((كتبت عن ألف شيخ وكسر, حجتي فيما بيني وبين الله أحمد بن صالح وأحمد بن حنبل)).انتهى من تذكرة الحفاظ [2/ 496].
فهو يعرف أهل بلده وحديثهم أكثر من غيره, فيقدم قوله على غيره عند التعارض, فكيف ولا تعارض. فإذا انضاف إلى توثيق هؤلاء لعياض احتجاج مسلم به في الصحيح، علمت أن الرجل وفق قواعد التحديث لا يضعفه إلا من تجاهل هذه القواعد وخالفها.
فصل
ولئن سلمن أن عياضاً الفهري ضعيف, فإن الذي نادى على نفسه بعدم الاطلاع هو الذي يضعف حديثه في صحيح مسلم بالذات.لأن مسلماً قد يخرج حديث جماعة من الرواة واقعين في الطبقة الثانية لأغراض مختلفة ذكرها الحفاظ في مواضعها.وانظر مقدمة شرح النووي لمسلم (ص 25).
فقد يكون ذلك الراوي هو من الطبقة الثانية توبع على روايته في مسلم ولكن مسلماً قد لا يخرج المتابعة خشية الإطالة ,وإن فعل لطال معه الأمر جداً.فيأتي المعترض ويقول هذا الحديث ضعيف لوجود راوٍ متكلم فيه، وقد تجاهل أن مسلماً رحمه الله تعالى انتقى كتابه من ثلاثمائة حديث مسموعة، وكل حديث في صحيحه وافقه على تصحيحه الإمام أحمد وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وابن معين وأبو زرعة، ثم أجمعت الأمة بعد ذلك على صحة ما فيه.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك هو عياض بن عبد الله الفهري الذي أخطأ الألباني بتضعيفه فقد روى مسلم له حديث: ((إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل ... الحديث))،من طريق ابن وهب أخبرني عياض بن عبد الله عن أبي الزبير، عن جابر به.
لكن عياضاً لم ينفرد، بل تابعه ابن لهيعة بسند صحيح مر ذكره [ص 109] وذلك فيما أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار [1/ 55]،والدار قطني في سننه [1/ 112] وغيرهما.
ومثله حديث: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ... الحديث))،أخرجه مسلم [2/ 675] من حديث ابن وهب أخبرني عياض بن عبد الله عن أبي الزبير، عن جابر، وتقدم الكلام عليه [ص 70].فإن عياضاً لم ينفرد به بل تابعه جماعة من الثقات منهم عمرو بن دينار وحماد بن سلمة و الأمثلة على ذلك كثيرة، وهذا شان المستخرجات.
وهكذا يحصل للمتتبع للطرق ثقة بهذا الكتاب العظيم، وإن الناظر فيه يزداد إعجاباً به وزيادة في الإكبار والإجلال لهذا الصحيح، فجزى الله مصنفه خير الجزاء.
وإذا تفهمت ما سبق بيانه تعلم أن قول الألباني في الضعيفة [2/ 407] بشأن عياض الفهري المحتج به في صحيح مسلم: ((وبالجملة فالرجل ضعيف لا يحتج به))،قول مجانب للصواب، يجب أن يضرب عليه بالمداد الأسود، والله وحده هو الهادي إلى سبيل الرشاد.
ـ[عبد الله]ــــــــ[28 - 01 - 03, 02:39 ص]ـ
فصل
الراوي الذي خلا عن التعديل وجاء فيه جرح غير مفسر, اختار الحافظ في النخبة [ص 73] قبوله. واختار الحافظ ابن الصلاح في مقدمته التوقف فيه, وقال: ((توفقنا عن قبول حديث من قالوا فيه كذلك-أي الجرح المجمل-بناءً على أن ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلُها التوقف. ثم من انزاحت عنه الريبة منهم ببحث عن حاله أوجب الثقة بعدالته قبلنا حديثه, ولم نتوقف كالذين احتج بهم صاحبا الصحيحين وغيرهما ممن مسهم مثل هذا الجرح من غيرهم, فافهم ذلك فإنه مخلص حسن والله أعلم)).انتهى كلام الحافظ ابن الصلاح [140/ 141].
¥