تقول الدكتورة (أميَّة لحود): (لقد أجريت عدَّة تجارب على بعض الطلاب، أثبتت أنَّ الصوم لفترة قصيرة يزيد في قدرة هؤلاء الطلاب الذكائية والفكرية، ويجعل منهم طلاباَ يملكون منهم قدرة أكثر على استيعاب دروسهم وحفظها، أمَّا السبب لكل هذا فهو أنَّ الصوم يتيح للجسم أن يطرح كل السموم المتراكمة، فيصبح الدم نقياً، ويتغذى به الدماغ بطريقة أفضل) (الصوم علاج كل الأمراض/ صـ19ـ20)
ولا ريب أنَّ ذلك يوضح عظمة الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ في أنَّه ما شرع لنا شيئاً إلا وفيه من سبل الخير والنفع الشيء الكثير.
ولقد وعى الأطباء أهمية الصوم وصاروا يقدمونه على كثير من أنواع الأدوية والعلاج، فيقول الدكتور (نيكولاي): (إنَّه من المهم أن نطلب من المريض أن يصوم ويخسر بعضاً من وزنه من أجل أن يحصل على الشفاء التام، خير من أن نملأ بطنه بالعقاقير والأدوية وجميع أنواع الغذاء).
بل إنَّ الدكتور (وولف بايير) الألماني وضع كتاباً عنوانه: (العلاج بالصوم علاج المعجزات) وأكَّد أنَّ الصوم، هو الواسطة الأكثر فعالية من أجل القضاء على كل الأمراض، وساوى أهمية الصوم بأهمية الجراحة).
وقد ذكرالشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ عن بعض أطباء الإفرنج أنَّه قال: (صيام شهر في السنة يذيب الفضلات الميتة في البدن منذ سنة) تفسير المنار (2/ 145)
وفي هذا يقول الدكتور: محمد محمد أبو شوك في مقالة له: (الصوم والجهاز العصبي): (فإلى من يتردَّدون إلى عيادات الأطبَّاء، طلباً لدواء يذهب عنهم التوتر العصبي، والأرق، والكآبة، وغيرها من الأمراض، التي تذهب بالعقول؛ هاكم رمضان، لو تمسَّكتم بروحانيته، وما يضفيه على نفوسكم من خير لما احتجتم في يوم من الأيام، إلى ما لا نهاية له من علاج ودواء) بيدَ أنَّ بعض الناس لا يعطون لهذا الشهر مقصده من ذلك لترويض النفس على التقلُّل من الأكل، كما ذكر الإمام الغزالي بأنَّ (مقصود الصوم الخواء، وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى) إحياء علوم الدين (1/ 230)
والعجب حين تجد كثيراً من الناس حين يقدم هذا الشهر المبارك يذهب إلى السوق ويشتري من الحاجيات ما يفوق شراءه لأكثر من ثلاثة أشهر، من المأكولات والمشروبات والحلويات وما إلى ذلك، وكأنَّ هذا الشهر شهر أكلات ووجبات! ولهذا زادت كثير من أمراض الناس لكثرة أكلهم، حتَّى إنَّ الإنسان لو ذهب إلى المسشفيات لوجد أنَّ أكثرها من قسم الباطنية والأمراض المتعلقة بكثرة الأكل والشرب، حتَّى إنَّه صار ملحوظاً كثرة السمنة والترهل بسبب كثرة المطعومات وإدخال الطعام على الطعام، والله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا). قال بعض العلماء: (جمع الله بهذه الآية الطبَّ كلَّه)
وقد كان أسلافنا الكبار ينهون عن كثرة الأكل؛ فقد قال لقمان لابنه: (يا بني! إذا امتلأت المعدة، نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة). وقال حاتم الطائي وهو المشهور بكرمه:
فإنَّك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذمِّ أجمعا
ولهذا فقد ذكر علماء الطبِّ أنَّ تناول الفطور حتَّى الشعور بالتخمة يؤدِّي إلى إفساد الفوائد الصحية للصوم، ولهذا فإنَّه ينبغي على المسلم أن يكون محافظاً على تلك الفوائد المجنية من شهر الصيام، ولا يفسدها بكثرة الأكل والإسراف في المشتريات من المطعومات، ولقد قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني: (من الإسراف الأكل فوق الشبع، ومن الإسراف الاستكثار من المباحات والألوان، ومن الإسراف أن يضع على المائدة من ألوا ن الطعام فوق ما يحتاج إليه الأكل) (كتاب الكسب للشيباني/ صـ 79ـ83).
فهل يعي المسلمون أنَّ هذا من الإسراف؟! وإنَّ المرء ليستغرب من الكثير من أبناء المسلمين، حين يجدهم يتهافتون على الأكل من أصناف عديدة بعد صيامهم، وكأنَّهم لم يأكلوا مدَّة شهر، ولو نصحهم أحد بتخفيف ما يأكلونه، وعدم الإسراف فيما يقدِّمونه من مطعم ومشرب، لضجُّوا وأكثروا، وقالوا ألا تعلم أنَّنا قد صمنا عشر ساعات فأكثر، ولم نطعم أكلاً ولا شراباً؟ فعجباً من هؤلاء، وحقَّ أن يقال فيهم مقولة الشيخ: أحمد شهيد الحلبي باللهجة الشاميَّة: (نأكل بالأرطال، ونشرب بالأسطال، بدنا نكون أبطال، هذا شيء بطَّال!!)
5ـ تقوية الإرادة وتحقيق الصبر:
¥