لقد كان نبيكم _صلى الله عليه وسلم_ يتدبر كتاب ربه، وكيف لا وهو الذي أنزل عليه الأمر بتدبره!
فلماذا لا نتدبر القرآن وقد كان محمد _صلى الله عليه وسلم_ يتدبره، وقد كانت لنا فيه أسوة.
عن حذيفة _رضي الله عنه_ قال: "صليت مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المئة. ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة؛ فمضى. ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسلاً، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ". [رواه مسلم].
وبكى _صلى الله عليه وسلم_ حين قرأ عليه ابن مسعود من سورة النساء قوله _تعالى_: "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً" [النساء:41] فهل تتوقع أن يكون ذلك من غير تدبر؟.
وكان يدعو الأمة إلى التدبر وفهم معاني القرآن، فحين نزل قوله _تعالى_: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" [آل عمران:190، 191]. قال _صلى الله عليه وسلم_: "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها".
وقد سار السلف على خطى نبيهم _صلى الله عليه وسلم_ فأوصوا بالتدبر وضربوا لنا فيه الأمثال فكان ابن عباسٍ _رضي الله عنهما_ يقول: "ركعتان في تفكرٍ خيرٌ من قيام ليلة بلا قلب".
وكان الفضيل – رحمه الله – يقول: "إنما نزل القرآن ليُعمل به فاتخذ الناس قراءته عملاً. قيل: كيف العمل به؟ قال: ليحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه".
وعملياً كان منهم من يقوم بآية واحدة يرددها طيلة الليل يتفكر في معانيها ويتدبرها. ولم يكن همهم مجرد ختم القرآن؛ بل القراءة بتدبر وتفهم .. عن محمد بن كعب القُرَظِي قال: "لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ (إذا زلزلت) و (القارعة) لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما، وأتفكر أحبُّ إليَّ من أن أَهُذَّ القرآن (أي أقرأه بسرعة) ".
ألا ينبغي أن تكون لنا في هؤلاء ومن قبلهم نبينا _صلى الله عليه وسلم_ أسوة حسنة؟.
ألم يبدل الله حالهم بهذا القرآن؟.
ألم يشرقوا به ويغربوا فاتحين الأمصار، حاملين خير الدارين للأمم بهذا الكتاب؟
ألسنا بحاجة إلى ما نحل به مشاكل واقعنا المعاصر المعقدة الحادثة؟ بلى والله، ولكن:
ومن العجائب والعجائب جمة ... قرب المراد وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما ... والماء فوق ظهورها محمول
وصدق الله العظيم القائل: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [الجمعة:5].
اللهم قد حملنا الأمانة كما حملها جنس الإنسان، فأعنا على القيام بها بتدبر القرآن، فأنت المستعان وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
http://www.almoslim.net/admin_prod/show_article_main.cfm?id=1151
ـ[المسيطير]ــــــــ[10 - 09 - 07, 02:32 م]ـ
لماذا نتدبر القرآن (6 - 6)
أ. د. ناصر بن سليمان العمر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعامالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله ومن تبعهم مصيباً مخلصاً، وبعد:
إن من أعظم أسباب الهداية إلى الصراط المستقيم تدبر كتاب الهداية، كما أن من أعظم أسباب الضلال الإعراض عن مصدر النور، والتماس بنيات الطريق.
ولهذا كان تأمل آيات ربنا والوقوف معها وتدبرها من الأهمية بمكان، وكيف لانقف وكيف لانتأمل والله _جل ذكره_ يقول في كتابه: "كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا".
¥