تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكن كونه يجمع باختياره وقدرته وتمكنه ثم يبلع كما لو أفضل الجسم فضلة ثم بلعها، فهم يقولون اللعاب فضلة الجسم وهذا بالإجماع أنه فضلة من الجسم فكما أن فضلة الجسم (كالقيء) إذا خرجت إلى الفم ثم ردت أنه تفطر، قالوا: اللعاب إذا جُمِعَ خرج عن الرخصة، فالرخصة فيه أن يكون متحللاً لترطيب الفم لكن إذا جمعه فإنه يقصد ما يقصده الشارب أو يقصده من يريد بَلَّ حلقه، فخرج عن كونه مادة للفم إلى كونه مادة للحلق فأفطر من هذا الوجه، قالوا: أشبه ما لو إذا خرج القيء ثم رده إلى داخل البدن،

والوجه الثاني الذي يقتضي أنه لا يفطر أن تقول: هذا اللعاب مادة تسامح الشرع فيها، والإجماع منعقد على أن اللعاب الذي في داخل البدن لو بلعه الإنسان قليلاً قليلاً أنه لا يفطر، فلا فرق عندي بين أن يبلعه دفعة واحدة وبين أن يبلعه شيئاً فشيئاً،

إذاً عندك وجهان أحدهما يقتضي الحظر والحكم بالفطر والثاني يقتضي الإباحة وأنه لا يوجب فطر صاحبه، القاعدة عند بعض العلماء: " أنه إذا تردد الفعل أو القول بين مأذون به شرعاً وبين غير مأذون به شرعاً وهو المحرم - وأصبح بينهما فيه شبه من هذا وشبه من هذا - أنه يكره "،

هذا ضابط للمكروه عند بعض العلماء، ولذلك مثلاً يمثلون بإسبال الإزار قال- r- : (( ما أسفل الكعبين ففي النار)) وأجاز الأزرة إذا كانت فوق الكعبين، وقد ثبت عنه أنه قال: ((أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه)) فإذا ارتفع الإزار عن الكعبين فالإجماع على حله، وإذا نزل على الكعبين فإنه يعتبر داخلاً في قوله: ((ما أسفل الكعبين ففي النار)) لو أنه وصل إلى الكعبين ولم يجاوز ولم يرتفع عنهما وكان محاذياً للكعبين فليس عندك نص يقتضي التحريم وليس عندك نص يقتضي الإباحة، فإذا جئت تقول: أبيحه أجابك المجيب بأن الشرع أباح ما فوق الكعبين، وإذا قلت أحرمه أجابك المعترض بأن الذي حرمه الشرع ما أسفل الكعبين قالوا فيصبح بين الحظر والإباحة فهو مكروه فيسكت عنه الشرع لتردده بين الحظر والإباحة فيقولون: هو مكروه، فإذاً كأن المكروه يتردد بين الحلال والحرام ويتردد بين الحظر والإباحة فجمع الريق فيه وجه لأن تجيزه وفيه وجه لأن تمنعه فإن قلت الشرع رخص في الريق لمكان مشقة التحرز والتوقي فإن الريق المجموع لا يشق التحرز عنه لأنه بإمكانه أن يبصقه قالوا: فحينئذٍ كأنه قصد الإخلال فيعتبر هذا الوجه يقتضي الحظر، وتقول: الريق مأذون به شرعاً فيستوي أن يكون مجموعاً أو متفرقاً فهذا الوجه يقتضي الإباحة فأصبح جمع الريق مكروهاً من هذا الوجه، فهذا هو وجه كون العلماء-رحمة الله عليهم- ينصون على كراهية مثل هذه الأمور، ويستشكل بعض طلاب العلم كيف يحكم بالكراهة بما لا نص فيه، وهذا مسلك يدل على ورع السلف والأئمة-رحمة الله عليهم- هذا مسلك، ولذلك لما تكلم العلماء ما هو ضابط المكروه كان قول بعض العلماء طبعاً أن يرد النص بالنهي غير الجازم هذا لا إشكال فيه.

لكن هناك صور وهي المتردد بين الحظر والإباحة يؤكدون هذا أن الشرع قصد الترك، ولذلك قال- r- : (( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) فالفقيه لا يستطيع أن يقول هذا حرام وإذا قال: هو حلال وجد في نفسه الشبهة فتردد.

ولذلك إذا قال لك قائل: أجمع الريق وأبلعه ستجد في نفسك الشبهة لكن ما تستطيع أن تقول: إنه حرام، فالبر طمأنينة، قالوا فوجود هذه الشبهة كونه يجمع الريق كأنك تفهم منه أنه في حكم من يُدخل من خارج البدن الغريب عنه، لأن الذي ليس بغريب أن يترك اللعاب على طبيعته، لكن كونه يجمع وكونه يزدرد قالوا هذا يقتضي الشبهة

ومن هنا يقوى القول بكون جمع الريق من مكروهات الصيام.

بلع الريق له ثلاثة أحوال:

الحالة المعروفة المألوفة لا إشكال فيها لكن هناك حالتان يذكرها العلماء وهي أن يجمع الريق من داخل أي من داخل الفم.

والحالة الثانية: أن يخرج هذا المجُتْمَعِ إلى خارج الفم، فأما إذا كان الريق في داخل الفم وجمعه وبلعه وازدرده فمثل ما ذكرنا أنه مكروه، لكن لو جمع الريق فأخرجه بلسانه أو جاوز شفتيه ثم رده فإنه يفطر في قول جماهير أهل العلم-رحمة الله عليهم-، لأنه إذا أخرجه عن الفم فإنه حينئذٍ يخرج عن الرخصة وجهاً واحداً عند أهل العلم فيعتبر خارجاً عن اللعاب المرخص به شرعاً، لأن الذي يشق التحرز عنه ما كان في داخل الفم، أما إذا خرج قالوا: إنه يفطر، وعلى هذا يقولون: إنه إذا خرج الريق من خارج الفم فإنه يفطر.

ما فائدة أن العلماء-رحمة الله عليهم- يقولون: الريق يجمع من داخل أو يجمع من خارج؟

قد يقول قائل: إنه من القبيح على الإنسان أن يخرج الريق من فمه ثم يرده، وهذه المسائل يذكرها العلماء لأمور قد يحتاج إليها الفقهاء، فمثلاً في زماننا قد توجد أحوال في بعض الأحيان بعض الآلات قد تقوم بشفط ما في الفم وإعادته إليه وتكريره عليه، فإذا كان الشفط يكون في داخل الفم كما يكون في بعض من يكون في أجهزة الإنعاش يحتاج إلى وجود بعض المواد التي تكون في فمه فهذا الشفط والإعادة إذا كانت الآلة التي تشفط تشفط المادة إلى خارج الفم وتجاوزه فيرد فيه الكلام، وإن كانت في داخل الفم ولا تجاوزه فلا إشكال فيها،

فالمقصود أن مسألة جمع الريق لا تخلو من هاتين الصورتين، إن خرج الريق وجاوز حد الشفتين أفطر وجهاً واحداً وإن لم يجاوزه فإنه يرد فيه ما ذكرناه من الحكم بالكراهة ولا يحكم بفطر صاحبه.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير