[تقبيل الصائم لزوجته هل يفطر أو لا؟ (الشيخ محمد محمد المختار الشنقيطي)]
ـ[مشتاق حجازي]ــــــــ[11 - 09 - 07, 04:44 ص]ـ
قال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله:
الشخص إذا قبّل لا يخلو من أحوال:
الحالة الأولى: ألا يأمن من نفسه أن يجامع أهله فتقوى شهوته ويندفع إلى درجة لا يأمن معها أن يفسد صومه بالجماع.
الحالة الثانية: أن تتحرك شهوته إلى درجة لا تصل إلى الجماع ولكن ينزل فيستطيع أن يحبس نفسه عن الجماع لكن لا يستطيع أن يحبس نفسه عن الإنزال كسريع القذف كما ذكر بعض العلماء وهو الذي يسرع قذفه عند بداية شهوته.
الحالة الثالثة: أن يكون قوياً مالكاً لإربه فلا ينزل ويأمن أن يقع منه الجماع.
هذه ثلاثة أحوال في الشهوة بالنسبة للشخص الذي تقع منه الشهوة،
إما أن تحركه حتى يصل إلى غايتها من الجماع،
وإما أن تحركه فيصل إلى الإنزال ولا تؤدي به إلى الجماع،
وإما أن تحركه فيجد النشوة؛ ولكن لا يصل إلى الإنزال ولا يقع منه جماع.
أما الذي لا تحرك القبلة شهوته فهو الشخص الذي لا يجد الانتشاء في التقبيل كأن يقبل لعاطفة فيقبل أبناءه أو يقبل بناته فهذه ليست بقبلة شهوة؛ لأن التقبيل يكون لمعان أن يقبل محبة أو شهوة وهي قبلة الزوج لزوجته، والعكس أو يقبل لرحمة كتقبيل الأب لابنه أو يقبل لعاطفة وهي صورة العكس تقبيل الابن لأبيه أو يقبل لهيبة وإجلال كأن يقبل جبهة العالم أو يده فهذه أحوال للمقبل.
لكن الذي يتكلم العلماء عنه التقبيل للمرأة وهو تقبيل الشهوة، أما لو رأى المرأة في حزن ورحمها وعطف عليها فقبّلها من باب العطف والحنان فإنه خارج عن مسألتنا وحمل بعض العلماء عليه تقبيل النبي- r- لعائشة قبل أن يدخل إلى المسجد فقالوا إن هذا التقبيل من النبي- r- ليس تقبيل محبة وإنما هو صدق مودة من النبي- r- لها وليس يقصد منه تحريك الشهوة أو ما يكون بين الرجل وامرأته من باب الشهوة؛ لأن النبي- r- كان إذا أذن عليه المؤذن كما قالت: لا يعرفنا، أي أنه-عليه الصلاة والسلام- كان يشتغل بأمر الصلاة، فالتقبيل الذي يبحثه العلماء في هذا الموضع تقبيل الشهوة ولا يريدون منه مطلق التقبيل، فلو قبل الأب ابنه فإن قبلته قبلة عطف وحنان وشفقة كما قال- r- لما قال له الرجل: إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم قال: ((أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك)) فوصف التقبيل بكونه رحمة وهذا لا يتكلم العلماء عنه، وكذا إذا قبلت الأم ابنتها إذا رآها في حزن ونحو ذلك،
فإذا كان التقبيل للشهوة فقد ثبت عن النبي- r- أنه قبل وهو صائم وهو ثابت في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- يرويه هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير أن عائشة-رضي الله عنها- قالت: كان النبي- r- يقبل وهو صائم، فسألها عروة- t- وقال: ما أرُأه إلا أنت، قال فضحكت-رضي الله عنها وأرضاها-.
ما فائدة سؤال عروة- t- بهذا الأسلوب؟
لأنه قد يقول البعض: ما الداعي أن يقول عروة ذلك؟ الواقع أننا استفدنا من سؤال عروة- t- هذا أنها رواية متصلة لا منفصلة؛ لأنه قد تحكي أم المؤمنين شيئاً من حاله-عليه الصلاة والسلام- عن غيرها من أمهات المؤمنين؛ لكن كونها تضحك فهذا يدل على أنه وقع منها مع النبي- r- فتكون الرواية متصلة ويكون الفعل بينها وبين النبي- r- مباشرة وهذا يدل على أنه لا حرج أن يقبل الصائم زوجه، لكن قالت أم المؤمنين-رضي الله عنها- " ولقد كان أملككم لإرْبه "، وفي رواية " لأرْبه "، وقيل" لأرَبِه "
واختلف العلماء فيه على وجهين:
قيل: الأرب هو العضو، أرادت أنه لا ينزل-عليه الصلاة والسلام-.
وقيل شهوته يعني الشهوة مطلقاً،
فإذا قلت: إن المراد من الأرب العضو فيكون مرادها أن يتحفظ من الإنزال فيدل على أن يقبل للشهوة؛ ولكن بشرط أن يأمن الإنزال،
وإن قلت إن المراد بها مطلق الشهوة لأن النبي- r- قبّل فحينئذٍ تشمل الشهوة المنبعثة للتقبيل والشهوة التي يكون منها للجماع، فحينئذٍ تقول: إنه قَبَل لمعنىً غير كأن يقبل لعطف أو لحنان أو نحو ذلك،
والأول أقوى، وعلى هذا فإنه لو قبل زوجته للشهوة لا حرج لكن فيه تفصيل إن غلب على ظنه أنه يجامع أو يقع في الجماع فلا يجوز له أن يقبل
وذلك لأن " الوسائل تأخذ حكم مقاصدها " فإنك لو قلت الشرع يأذن للرجل أن يقبل زوجته مع أنه يغلب على ظنه أنه سيقع معها في الجماع وإفساد الصيام فهذا مما لم يأذن الله- U- به، وحينئذٍ يتناقض الشرع، ولذلك نبهت أم المؤمنين-رضي الله عنها- على هذا فقالت: " كان أملككم لإربه " وكأنها تريد أن تفرق بين من يملك النفس ومن لا يملك النفس وبين من يقدر على حفظ نفسه ومن لا يقدر على حفظ نفسه، وقد دل الشرع على أن تعاطي السبب يوجب الضمان للإنسان، وأن الإنسان ينبغي عليه أن يتحفظ عن الأسباب التي تفضي به إلى الإخلال سواءً بالمأمورات أو بالمنهيات.
وبناءً على ذلك لما غلب على ظنه أنه يفسد صيامه بالجماع أو بالإنزال فإنه لا يقبّل،
فلو اعترض معترض وقال هذا ليس بصحيح لأن النبي- r- قبّل فلا داعي لأن نفرق بين من يقع وبين من لا يقع، نقول: إذا استدللت بفعله-عليه الصلاة والسلام- فيلزمك الاستدلال به كاملاً، والذي وقع من النبي- r- شيئان: التقبيل مع التحفظ، والذي نتكلم فيه التقبيل مع عدم التحفظ، فصورة النص فيها محافظة ولا إخلال فيها، والصورة التي ذكرها العلماء واستثناها مما فيه الإخلال فبقيت على الأصل الموجب للمنع، وهكذا لو أنه لم يأمن أن ينزل؛ لأن إنزاله يفضي به إلى الفطر فاستوى أن لا يأمن الجماع ولا يأمن الإنزال ففي هذه الأحوال يمنع منه.
وأما بالنسبة لما ورد في حديث أبي داود بتفريقه-عليه الصلاة والسلام- بين الشيخ وبين الشاب فحديث ضعيف لكن متنه صحيح،
وأصول الشريعة دالة على أن الذي لا يملك نفسه أنه لا يقبل، وأما بالنسبة للذي يملك نفسه ويقدر فإنه لا حرج عليه أن يقبل ويقع منه ذلك.