تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الدنيا وما فيها، يعني تصور هذه المليارات أو الترليونات على ما قالوا تعدل ركعتين، ولا تزن عند الله جناح بعوضة، لكن من يعرف حقيقة هذه الدنيا؟ يعرفها من علق قلبه بالله -جل وعلا-.

سعيد بن المسيب جاء من يخطب ابنته لابن الخليفة، سعيد بن المسيب أعلم التابعين كما هو معروف، بل أفضلهم عند الإمام أحمد، وإن كان النزاع بين أهل العلم في هذا في تفضيل أويس القرني الذي جاء فيه النص الصحيح في صحيح مسلم وغيره معروف بين أهل العلم؛ لكن الذي يهمنا أن سعيد بن المسيب سيد من سادات التابعين، ومن سلف هذه الأمة، جاءه الواسطة ليخطب ابنته لابن الخليفة، فقال له الواسطة السفير، قال له: جاءتك الدنيا بحذافيرها، ابن الخليفة يريد بنتك، قال: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، فماذا ترى أن يقص لي من هذا الجناح؟.

هؤلاء الذين عرفوا حقيقة الدنيا، وليس معنى هذا أن على الإنسان أن يترهب، لا رهبانية في الإسلام، لكن عليه أن يعبد الله -جل وعلا- على مراده سبحانه وتعالى، وعليه أن ينوي الخير ويخلص في جميع أعماله، وإذا نوى النية الصالحة انقلبت عاداته عبادات، صار نومه عبادة، أكله عبادة، نزهته عبادة، مزحه عبادة، إذا نوى بنومه التقوي على طاعة الله -جل وعلا- يؤجر عليه، إذا نوى بأكله استعمال هذا البدن لطاعة الله -جل وعلا- أجر عليه، إذا نوى بمزحه الاستجمام للتقوي على طاعة الله -جل وعلا- أجر على ذلك، ما يضعه في امرأته وأولاده كله يؤجر عليه، جماعه لأهله صدقة يؤجر عليها، كما جاء في الحديث الصحيح.

إذن ما بقي شيء يخرج عن دائرة ما يوصل إلى الله -جل وعلا- وإلى مرضاته، حتى ما يظن أنه بعيد كل البعد عن أمور الآخرة، وهو الجماع، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وفي بضع أحدكم صدقة -استغرب الصحابة– قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ((نعم، أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟)) قالوا: بلى.

فالإنسان إذا نوى النية الصالحة، يعني إذا ذهب إلى المحل، محل الأغذية ينوي بذلك التقرب إلى الله -جل وعلا- بما يشتريه من مواد يقوت بها نفسه ويقوت بها من يموله أجر على ذلك، حتى ما يضعه في في امرأته يؤجر عليه، فشتان بين من جميع تصرفاته عبادات، وبين من عباداته عادات، يدخل إلى المسجد يؤدي هذه الصلاة في بدنه لا يعقل منها شيء، هذه صارت عادة ما صارت عبادة، ولا يترتب عليها الثواب المرتب على الصلاة، فإذا كانت الصلوات الخمس كفارات ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)) شخص يصلي ببدنه ولا يعقل منها شيء هذا ليس له من الأجر شيء.

ويقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: الذي يخرج من صلاته بعشرها هل يرجى أن تكفر من سيئاته شيء؟ هذه إن كفرت نفسها فنعم العمل، نسمع نصوص الوعد ونرجو الله -جل وعلا-، ونوسع في الرجاء، ومع ذلك نفرط في رأس مالنا الذي هو الدين، والله المستعان.

فالصيام كما في الآية يحقق التقوى، كما أنه وسيلة العفاف، جاء في حديث عبد الله بن مسعود المتفق عليه: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) يحقق له العفاف، لكن ما الصوم الذي يحقق العفاف؟ مثل ما قلنا في الصيام الذي يحقق التقوى، كيف تحقق العفاف بصوم تخرقه بتعريض نفسك لمواضع الفتن؟ تخرج إلى الأسواق التي فيها النساء المتبرجات، تنظر إلى الآلات التي فيها العاهرات والماجنات، تنظر في الصحف والمجلات التي فيها صور، الصور المثيرات، هل هذا يحقق عفاف مثل هذا الصيام؟ أبداً، لكن صم الصوم الشرعي ليتحقق لك ما جاء الوعد به في نصوص الكتاب والسنة.

قد يقول قائل: أنا ما أتعرض للفتن، ولا أرى آلات، أنا ما أخرج من البيت، من البيت إلى المسجد، ومع ذلك إذا نمت بجوار زوجتي صارت شهوتي في رمضان أعظم من غيره؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) وبعض من ينتسب إلى طلب العلم أحياناً يحصل منه ما يحصل من غيره من التحرش بالزوجة أثناء الصيام، وذلكم لأن بعض الناس في وجبة السحور يأكل من الأكلات أو من الأكل المتنوع ويكثر منه جداً، ثم بعد ذلك يصلي الفجر ينام إلى الظهر، ثم بعد ذلك يصلي الظهر وقد أخذ الجسد من ألوان الغذاء وترتبت الآثار عليه فأدى الطعام دوره

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير