الوجه اللائق بهِ سبحانه، من غير تشبيه ولا تأويل ويقول في ذلك «لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه، لا يسع أحدا قامت عليه الحجة ردها، وقد نفى عن نفسه الشبيه فقال جل ذكره «ليس
كمثله شيء» والقول في السنة التي أنا عليها ورأيت عليها الذين رأيتهم مثل سفيان ومالك وغيرهما:
الإقرار بشهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن الله عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف يشاء وينزل من السماء كيف يشاء، وأن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأن القرآن كلام الله
غير مخلوق، وأنه لا خلود في النار للمؤمنين العصاة وإن ارتكبوا الكبائر , فمرتكب الكبيرة من أمة النبي – صلى الله عليه وسلم - إذا مات مصراً عليها فهو تحت المشيئة، إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عذبه إلا أنه لا يخلد في النار، وأن الله تعالى قد أثنى على أصحاب رسول الله في القرآن والتوراة والانجيل (إشارة الى الآية 29 من سورة محمد) وسبق لهم الفضل على لسان رسوله ما ليس لأحد من بعدهم فرحمهم وهنّأهم بما آتاهم من ذلك أعلى مراتب الصديقين والشهداء والصالحين».
رابعاً: عقيدة الإمام أحمد بن حنبل وهي:
أن الله فوق سماواته، مستوٍ على عرشه، بائنٌ عن خلقه، وهو وحده
لا شريك له ولا شبيه في خلقه وتدبيره وأسمائه وصفاته، قيوم السموات والأرض لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأنه ابتعث محمدا خاتما للنبيين ورسولا إلى الثقلين بدين الإسلام ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، فإن كلام الله منه بدا وليس منه شيء مخلوق، وأن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية , ومن لقي الله بذنب يجب له به النار تائبا غير مصر عليه، فان الله عز وجل يتوب عليه ويقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات، والإيمان بشفاعة النبي – صلى الله عليه وسلم - وبقوم يخرجون من النار بعدما احترقوا , ومن مات من أهل القبلة موحدا يُصلى عليه، ويستغفر له، ولا نترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أو كبيرا , وصحابة رسول الله عدول نشهد بعَدَالَتِهِم كما جاءت بذلك الآثار».
محمد بن عبد الوهاب في خطى الأئمة الأربعة:
إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يبتدع شيئا جديدا في أصول الاعتقاد، بل مشى في خطى الأئمة الأربعة، واستقى علمه ومنهجه وعبادته منهم، وهو ـ في ذلك ـ لم يفعل سوى (إعادة تحرير) عقيدة هؤلاء الأئمة العظام التي آمنوا بها وجهروا بها.
والبرهان على ذلك هو: عقيدة الشيخ التي آمن بها ودعا إليها وكافح في سبيلها ..
يقول: «أُشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأُشهدكم أني أعتقد ما اعتقده أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث والموت، والإيمان بالقدر خيره وشره , ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله (ليس كمثله شيء) فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا أُلحد في أسمائه وآياته , وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدا وإليه يعود , وأُؤمن بأن نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين والمرسلين لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته , وإذا بانت لنا سنة صحيحة من رسول الله عملنا بها، ولا نقدم عليها قول أحد كائنا من كان، بل نتلقاها بالقبول والتسليم لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدورنا أجل وأعظم من أن نقدم عليه قول أحد , فهذا الذي نعتقده وندين الله به.
وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية , وأتولى أصحاب رسول الله , وأذكر محاسنهم، وأعتقد فضلهم، وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء، وأقر بكرامات الأولياء.
إن عقيدتي وديني الذي أدين الله به: مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل: الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة.
هذه عقيدة موجزة حررتها لتطلعوا على ماعندي والله على ما أقول شهيد».
إنه (تطابق) بين عقيدة الائمة الأربعة وبين عقيدة الشيخ: تطابق في المنهج والمضمون، بل تطابق في (العبارة).
في ضوء هذه العقيدة المجلوّة: فإن قذف الشيخ بلقب (الوهابية) يمكن أن يتعداه إلى الائمة الأربعة فيوصف أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بأنهم (وهابيون)! من حيث أن عقيدتهم هي نفسها عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
وبالتصعيد يمكن أن يوصف التابعون فالصحابة بأنهم وهابيون من حيث إن عقيدة الائمة الاربعة هي عقيدة الصحابة والتابعين .. وهذا ظلم بواح، ليس لمحمد بن عبد الوهاب، ولمن هو أكبر منه من الائمة العظام، بل هو ـ كذلك ـ: ظلم بواح لـ (الحقيقة العلمية) التي تقوم عليها عقيدة المسلمين أجمعين.
وتمام المقال: حقائق ثلاث:
أ ـ الحقيقة الأولى:
أن الاسماء المعتبرة التي يتعلق بها المدح والذم لا تكون إلا من الأسماء الشرعية التي شرعها الله كالمؤمن والكافر والعالم والجاهل والمقتصد والملحد , وليست (الوهابية) في شيء من ذلك، أي ليست اسما ولا وصفا شرعيا.
ب ـ الحقيقة الثانية ـ بناء على الأولى:
إن النَبْذ بالوهابية لا يستند ـ قط ـ إلى حقيقة علمية، ولا سند تاريخي، ولا شهادة أمينة، فهو ـ من ثم ـ محض افتراء، وهو افتراء لم ينج منه سائر أهل السنة.
فقد وصفهم خصومهم الاقدمون بـ (الحشوية) مثلا.
ج ـ الحقيقة الثالثة هي:
إن للنبذ بالوهابية (هدفا سياسيا) وهو محاولة عزل الذين تأثروا بدعوة الشيخ عن سائر المسلمين، وهي محاولة يائسة على كل حال، إذ كيف يعزل هؤلاء وهم يحملون عقيدة الأئمة الأربعة الذين يتبعهم معظم مسلمي العالم في أصول الاعتقاد، وفي المرجعية الفقهية؟
والله أعلم.
¥