[رسالة إلى المعتكفين من فضيلة الشيخ عبدالله الفوزان حفظه الله]
ـ[أبو عبدالعزيز الشثري]ــــــــ[30 - 09 - 07, 03:56 م]ـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أما بعد: فإن مما يسر المسلم إحياء السنن، وإظهار شعائر الدين، ومن ذلك سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه وبسلف هذه الأمة، وقد شاهدت في الحرمين الشريفين هذه السُّنَّةَ واضحة جلية في صفوف الشباب.
لكن رأيت عدداً منهم لم يفهموا معنى الاعتكاف ولم يدركوا الحكمة العظيمة من مشروعيته، ومن ثمَّ وقعوا في أخطاء ينبغي التنبيه عليها لتفاديها، ولهذا رأيت أن أكتب هذه الرسالة المختصرة في معنى الاعتكاف، وحكمة مشروعيته، وحكمه، ومكانه، ووقت الدخول والخروج، وشيء من أحكامه، ووظيفة المعتكف، والتنبيه على بعض أخطاء الاعتكاف.
فالاعتكاف في اللغة: لزوم الشيء، والعكوف عليه، قال تعالى ((يعكفون على أصنام لهم)) [الأعراف:138] يقال: عكف واعتكف: إذا لزم المكان.
وشرعاً: لزوم المسجد لعبادة الله تعالى.
وأما الحكمة من مشروعيته فإن للاعتكاف فوائد عظيمة، فإنه عُزلة مؤقتة عن أمور الحياة، وشواغل الدنيا، وإقبال بالكلية على الله تعالى، وانقطاع عن الاشتغال بالخلق، خصوصاً في ختام شهر رمضان، فهو متمم لفوائده ومقاصده، متدارك لما فات الصائم من جمعية القلب، وهدوء النفس والانقطاع إلى الله تعالى، ولهذا قال بعضهم: الاعتكاف هو: قطع العلائق عن كل الخلائق للاتصال بخدمة الخالق.
وعلى هذا فالحكمة من مشروعية الاعتكاف التفرغ للعبادة من صلاة وذكر وتلاوة وغير ذلك، وهذا لا يتم إلا بالعزلة عن الناس، وهذه العزلة لا تتحقق إلا بمكان خاص يخلو فيه المعتكف كما يوجد في كثير من المساجد، حيث يوجد فيها غرف خاصة يخلو فيه المعتكفون، أما في مثل الحرمين الشريفين أو المساجد الكبيرة فإن الخلوة فيها متعذرة غالباً، لكن إذا انتفت الخلوة الحقيقية أو الحسية فلا ينبغي تفويت الخلوة الحكمية أو المعنوية، بمعنى أن يحرص المعتكف على الإنفراد بنفسه ولو كان معه غيره في المكان، ولا يتم هذا إلا بإدراك معنى الاعتكاف وحكمته ووظيفة المعتكف، ومنع النفس من الاسترسال في مخالطة الآخرين والرغبة في التحدث معهم.
وأما حكمه فمذهب الجمهور أنه سُنَّة مطلقة في كل الأزمان، وسُنَّة مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان، لأنه صلى الله عليه وسلم داوم عليه إلى وفاته، قالت عائشة رضي الله عنها: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ» ([1]).
وعن أبي هريرة t قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي كُل رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلمَّا كَانَ العَامُ الذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوماً» ([2]).
والأفضل الاعتكاف في رمضان في العشر الأواخر، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف في غير رمضان، إلا قضاءً لما اعتكف في شوال، ولا دليل على أفضلية الاعتكاف في غير رمضان لا من قول، ولا من فعل، والرسول صلى الله عليه وسلم أفتى عمر t أن يعتكف في غير رمضان وفاءً بنذره لا أنه شَرْعٌ عام لكل الأمة.
ويجوز للإنسان أن يبطل اعتكافه ويخرج منه بدون عذر، ولا إثم عليه، لأن الاعتكاف سنة، والسنة يجوز تركها، لكن الأفضل إتمامه إذا لم يكن هناك عذر لقطعه، تحصيلاً للفضيلة، وإظهاراً للرغبة في الطاعة.
وأما مكانه: فهو المسجد، وهو عام في كل مسجد، لقوله تعالى: ((ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)) [البقرة:187] وهذا لفظ عام، فمن خصصه بمسجد معين فعليه الدليل ([3]).
قال القرطبي: "أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد، لقول الله تعالى: ((وأنتم عاكفون في المساجد)) [البقرة:187]
وذلك لأن الاعتكاف في غيره يفضي إما إلى ترك الجماعة، والجماعة واجبة، والواجب لا يُترك للمندوب، أو يفضي إلى تكرار الخروج إليها كثيراً مع إمكان التحرّز منه بالاعتكاف في مسجد جماعة، والخروج منافٍ للاعتكاف الذي هو لزوم المسجد لعبادة الله تعالى.
¥