تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[وصايا للمعتكفين للشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله]

ـ[مشتاق حجازي]ــــــــ[02 - 10 - 07, 07:10 ص]ـ

وصايا للمعتكفين

إلى أهل الاعتكاف .. إلى الذين هجروا البيوت والدعة والسرور؛ لكي يأووا إلى بيوت الله .. إلى الذين أرادوا قضاء أفضل أيام الشهر ولياليه .. إليهم وصية من الأعماق ملؤها الأشواق أن يهدى العبد إلى الكريم الخلاق، وصية إلى المعتكف:

أولاً:

أن يخلص لله في اعتكافه ويكون كل مراده أن يخرج من ذلك المعتكف والله راضٍ عنه. إذا خرجت إلى الاعتكاف خرجت بنية خالصة لوجه الله عز وجل، ولو كان بيدك أن لا يطلع أحد ولا يعلم بأنك اعتكفت شيئاً من رمضان لفعلت، فأين الشباب؟! أين أولئك الذين يتحدثون بالاعتكاف ويتباهون به والعياذ بالله، والعجب كل العجب أن الشاب يخبرك باعتكافه من أول رمضان، ويقول: إذا جاء العشر فأنا معتكف! فأخلص لله واهتد بالسلف الصالح، وغيب ما بينك وبين الله عز وجل، فذلك أسلم لدينك وأكمل لطاعة ربك، اعتكف وأنت ترجو رحمة الله عز وجل، فإن هجران البيوت والإيواء إلى بيوت الله وعمارتها بالاعتكاف يقع عند الله عز وجل بمكان، فاتق الله في اعتكافك، ولتكن مخلصاً في خروجك لوجه ربك.

أما الأمر الثاني:

فقدم الفرض على النفل، ولا تقدم النفل على الفرض، هيئ الأسباب لمرضاة الله، فإن الله لا يطاع من حيث يعصى، فإذا تعارض الاعتكاف وبر الوالدين وحقوق الأبناء والبنات أو تعريض الزوجات إلى المحرمات فقدِّم ما أمرك الله بتقديمه، والله يبلغك بالنية الثواب، فالمعامَلُ كريم سبحانه وتعالى، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: (ما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضته عليه)، فإذا كان الوالد يدعوك لبره والوالدة تدعوك لبرها، فقدم برهما على الاعتكاف، فالقرب من الوالدين أفضل من الاعتكاف ولو كان الاعتكاف في ليالي العشر. ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاءه رجل فقال: (يا رسول الله! إني قدمت من اليمن أبايعك على الهجرة وعلى الجهاد)، يريد أن يعيش في ظل النبي صلى الله عليه وسلم، ويجاهد تحت سنانه وسيفه، ومع ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أحية أمك؟ قال: نعم، قال: الزم رجلها، فإن الجنة ثم -أي هناك- الزم رجلها فإن الجنة ثم!). فيا من تريد الجنان! ويا من تريد الفوز برحمة الرحمن! بر الوالدين، أحسن إليهما وعش في كنفهما، كلاماً ليناً وقولاً كريماً تفوز فيه برحمة الله، فما بال كثير من الشباب قد عزف عن هدي الصواب فخرج عاقاً لوالديه؟! فالله لا يطاع من حيث يعصى، ولذلك قد يجد كثير من الشباب حرمان التوفيق في الاعتكاف فتقسو القلوب من القرآن، وتصبح في ضنك من العيش لا يعلمه إلا الله؛ والسيئة سببٌ في ذلك، فلذلك قدم الواجب، وقدم ما أمرك الله بتقديمه، واعتبر فرض الله على غيره.

وأما الأمر الثالث:

إذا دخلت رحمك الله إلى بيوت الله فادخلها وأعطها حقها وقدرها من العبادة والإنابة، واستغل الوقت في محبة الله، واصرفه في طاعته ومرضاته، تذكر أنك سافرت عن الأب والأم والأخ والأخت! وأنك هجرت مجالس الأقارب وفارقت الأحباب ترجو رحمة الله عز وجل غريباً عن أهلك! غريباً عن إخوانك وخلانك وجيرانك، وذلك من أجل عمارة الوقت في طاعة الله، فكيف يصرف في قيل وقال؟! كيف يصرف في تلك المجالس التي تعقد في المساجد!! ضحك ولعب وسخرية واستهزاء؟! فلو جلس هؤلاء المعتكفون في بيوتهم لكان خيراً لهم؛ لما في ذلك من الإضرار بأنفسهم وبغيرهم، فكم من عابد ما قرت عينه بالعبادة لوجود أمثال هؤلاء من صياح ولغط وغير ذلك! وقد يصل الأمر إلى الخصومة والعياذ بالله، ما هذا الاعتكاف؟! أين اعتكاف السلف الصالح رحمهم الله؟!! لقد رأيت رجالاً صالحين -وأنا في معقد الصبا- إذا دخلوا معتكفهم في حرم المدينة مشى الرجل لا يجاوز بصره موضع قدميه، وإذا جئت إليه وقد توارى بذلك الكساء قائماً يصلي، فحينها تتلذذ وأنت تسمعه يتلو القرآن ويبكي من خشية الله، وكنا صغاراً نأتي إليهم بين تلك اللحف التي قد وضعوها بمثابة القباب، تسمع الواحد منهم يقول: أستغفر الله، وهو مليء بالنشيج والبكاء، فكانت كلماتهم والله ألذَّ إلينا من كثير. أين الصادقون؟! أين المعتكفون الذين إذا جنَّ الليل تعفرت جباههم بالسجود؟! تعفرت بالقيام بين يدي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير