ثم قال بعد كلام:" وإنما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحاً لا يحتاج إلى النظر فيه بل يجب العمل بما فيها مطلقاً ".
وقال قبله [1/ 14]:" اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول "ا هـ.وقال في تهذيب الأسماء [1/ 73]:" أجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين ".اهـ.
وعليه فإن الإمام النووي رحمه الله تعالى يرى:
1 - أن الأمة تلقت أحاديث الصحيحين بالقبول.
2 - يجب العمل بما فيهما.
3 - أنهما أصح الكتب بعد القرآن العظيم.
4 - لا يحتاج للنظر في أسانيديهما.
5 - أنها تفيد الظن ما لم تتواتر.
وقد مر عن ابن الصلاح أن ظن المعصوم يفيد العلم النظري وأنه الصواب، ونصره الحافظ في "النكت" [1/ 374]،والسيوطي في التدريب [1/ 132] ونقلاه عن جماعة من المحققين.
فصل
استثنى الحفاظ من إفادة أحاديث الصحيحين ـ مجتمعة أو منفردة ـ العلم النظري مواضع معروفة انتقدها الحفاظ خاصة الدارقطني رحمه الله تعالى في تتباعته، وزاد الحافظ شرح النخبة ما وقع التجاذب بين مدلوليه فقال [ص 9]:"ما لم يقع التجاذب بين مدلوليه مما وقع في الكتابين حيث لا ترجيح لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما الآخر".
وهذا الذي ذكره الحافظ لم يقع للألباني في تعديه على صحيح مسلم كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
بل ما توهمه من هذا الباب أجاب عنه السادة العلماء رحمهم الله تعالى وجزاهم خيراً،وبسطوا الكلام و توسعوا فيه، وصنفوا فيه المصنفات النافعة، بحيث لم يبق لمتقول قول، ولكن ربما يذهب عدم الإطلاع أو عدم النشاط أحياناً أو التدخل فيما لا يعني بصاحبه أحياناً إلى ما لا يحمد عقباه، ونسأل الله تعالى العافية.
أما عن تتبعات الحافظ الدارقطني فقد أجيب عنها، قال الإمام النووي في شرح مسلم:"قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلا فيهما بشرطهما ونزلت عن درجت ما التزماه في وقد ألف الدارقطني في ذلك، ولأبي مسعود الدمشقي أيضاً عليهما استدراك، ولأبي علي الغساني في العلل من التقيد استدراك عليهما وقد أجيب عن ذلك أو أكثره".اهـ.
قال الحافظ في مقدمة الفتح [ص 346]:"وقوله [أي النووي] في شرح مسلم وقد أجيب عن ذلك أو أكثره هو الصواب فإن منها ما الجواب عنه غير منتهض".اهـ.
والناظر في انتقادات الدارقطني لمسلم رحمه الله تعالى يجدها ترجع إلى السند أو المتن.
أما انتقاده للسند فإن أصاب بعضها فهي لا تعل المتن الذي جاء صحيحاً، ربما في صحيح مسلم نفسه، أو في غيره، والدار قطني نفسه لم يقصد إعلال المتن بل تكلم على سند معين فقط، وإعلال سند واحد لا يمنع من صحة الحديث عنده.
وعذْر مسلم في إخراج هذا السند هو كونه في المتابعات أو ليلفت النظر إلى علته أو أنه صح عنده خارج الصحيح بسند آخر طالباً للعلو فيكون من باب الانتقاء الذي عُرفَ به.
أما انتقاداته للمتن فهي عشرة أحاديث فقط بعضها غير قادح،والآخر يدور حول اختلاف الوصل والإرسال،أو اختلاف الرفع والوقف أو نحو ذلك من زيادة الراوي الثقة، والقاعدة في هذا معروفة والصواب مع مسلم.
وقد أجاب النووي رحمه الله تعالى وجزاه الله خيراً عن هذه الأحاديث جواباً إجمالياً في مقدمة شرحه وتفصيلياً في أثناء شرحه،ولأحد المدرسين [6] بالجامعة الإسلامية كتاب في هذا الباب أجاد فيه وإن اغتر أحياناً بكلام الدار قطني.
وعليه فقول الإمام النووي – ومعناه للحافظ -:" وقد أجيب عن ذلك أو أكثره " متوجه للأسانيد التي لا تعل المتن والله تعالى أعلم.وعليه فانتقادات الدار قطني لبعض الأحاديث لا تخرجها عن كونها صحيحة،وليس الخبر كالمعاينة،كما أن انتقادات الدارقطني – أمير المؤمنين في الحديث – على الصحيح لم تسلَّم له وقاومه جمع من الحفاظ. قال الحافظ السيوطي في ألفيته [6]:
وانتقدوا عليهما يسيرا فكم ترى نحوهما نصيرا
فما بالك بمن يأتي في عصرنا – على كثرة من الأوهام والتناقضات – يريد أن يشتغل بالتصحيح والتضعيف لأسانيد الصحيحين إيجاباً وسلباً؟! فمثل من يناطح الصحيح يصدق عليه قول الشاعر:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وما أحسن ما قاله العلامة أحمد شاكر في تعليقاته على مختصر علوم الحديث لابن كثير [ص 35]:" الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين،وممن اهتدى بهديهم،وتبعهم على بصيرة من الأمر:أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها،ليس في واحد منها مطعن أو ضعف،وإنما انتقد الدار قطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث،على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ الدرجة العليا التي التزمها كل واحد منهما في كتابه،وأما صحة الحديث نفسه، فلم يخالف أحد فيها، فلا يهولنك إرجاف المرجفين، وزعم الزاعمين،أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة، وتتبع الأحاديث التي تكلموا فيها وانقدها على القواعد الدقيقة التي سار عليها أئمة أهل العلم، واحكم على بينة والله الهادي إلى سواء السبيل.
¥