تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (دعا الله إلى مغفرته من زعم أن عزيراً ابن الله، من زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة، يقول لهؤلاء جميعا: أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة:74]) (3) [3].

ألا فإن التوبة للمرء كالماء للسمك، فما ظنكم بالسمك إذا فارق الماء؟! جاءت امرأة إلى النبي فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيتُ فطهرني، فردها النبي، فلما كان الغد قالت: يا رسول الله، لمَ تردّني؟ فلعلك أن تردّني كما رددت ماعزاً، فوالله إني لَحبلى، قال: ((إما لا فاذهبي حتى تلدي) فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت: هذا قد ولدته، قال: ((اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه))، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، حرصاً منها على التوبة وإقامة الحدّ، فقالت: هذا ـ يا رسول الله ـ قد فطمتُه، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فتنضّخ الدم على وجه خالد فسبّها، فسمع نبي الله سبَّه إياها فقال: ((مهلاً يا خالد، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحبُ مكس لغُفر له))، وصاحب المكس هو الذي يأخذ الضريبة من الناس. رواه مسلم (4) [4]. وفي رواية: ((لقد تابت توبة لو قُسمت بين سبعين من أهل المدينة وسعتهم، وهل وجدت شيئاً أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل؟!)) (5) [5].

إن صاحب الذنب مهما غفل عن التوبة أو تناءى عنه الوصول إليها فسيظل أسير النفس، قلقاً لا قرار له، متلفّتا لا يصل إلى مبتغاه ما لم يُفتح له باب التوبة ليطهّر نفسه من كلكلها، ويخفّف من أحمالها.

إلهنا، إلهنا، يا من ترى مدَّ البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل، ويا من ترى نياط عروقها في نحرها والمخّ في تلك العظام النُحَّل، امنُن علينا بتوبة تمحو بها ما كان منا في الزمان الأول.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه كان غفاراً.


الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فيا أيها الناس، في يوم من الأيام صعد رسول الله درجات المنبر، فلما رقي عتبة قال: ((آمين))، ثم رقي عتبة أخرى فقال: ((آمين))، ثم رقي عتبة ثالثة فقال: ((آمين))، ثم قال: ((أتاني جبريل فقال: يا محمد، من أدركه رمضان فلم يُغفر له فأبعده الله، قلت: آمين)) الحديث، رواه ابن حبان وغيره (6) [1].
صدق رسول الله بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه، لقد خسر وفرّط ورغم أنفه من ضيّع فرصة رمضان ونكص على عقبيه، ألا أين أنتم أيها التائبون؟! عقلكم يحثّكم على التوبة، وهواكم يمنعكم، والحرب بينهما سجال، فلو جهَّزتم جيشَ عزمٍ لفرّ العدوّ منكم، تنوون قيام الليل فتتكاسلون، وتسمعون القرآن فلا تبكون، بل أنتم سامدون، ثم تقولون: ما السبب؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].
ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، وتوبوا إلى ربكم توبة نصوحاً، توبوا إلى الله أفراداً وجماعات، فما توبة الأمة بأدنى شأناً من توبة الأفراد إذ يقول الله تعالى: وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
ألا ترون ـ يا رعاكم الله ـ ما قاله الباري جل شأنه في كتابه: فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْىِ فِى الْحياةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [يونس:98].
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير