تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

، فمن يعمله على هذه الهيئة والفقهاء أعني كما قال الله تعالى (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين)

وأما الشعر وإنشاده فقد أنشد كعب بن زهير بين يديه في المسجد، وخلع عليه بردته، ووضع منبرا لحسان بن ثابت في المسجد، وقال صلى الله عليه وسلم (اللهم أيده بروح القدس) وبالجملة فالشعر كالكلام، فحسنه حسن ومستقبحه قبيح، بدليل قوله تعالى (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) وحاص الجواب أن فعلهم هذا على هذه الهيئة بدعة محدثة، وما نصها الفقهاء في كتبهم كفعلهم في المولد، وقد نص الفقهاء في باب الوصية أن الوصية بإقامة المولد على الوجه الذي يقع في هذه الأزمنة من اختلاط النساء بالرجال والنظر للمحرم ونحو ذلك من المنكر أن الوصية باطلة لا يعمل بها، فمن أشكل عليه فليراجع كتب الفقه في باب الوصية، ومن هذا قد أفتيت لمن نذر أن يعمل المولد على الحالة هذه أنه لا يلزمه الوفاء به، لأنه ليس من الطاعة في شيء، ولنذكر كلام الإمام العلامة الفاكهاني رحمه الله لوجه المناسبة في الاجتماع المذكر

قال رحمه الله:

تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد: هل له أصل في الشرع، أو هو بدعة وحدث في الدين؟

وقصدوا الجواب من ذلك مبينا، والإيضاح عنه معينا.

فقلت وبالله التوفيق:

لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها المبطلون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون، بدليل أنا إذا أدرنا عليها الأحكام الخمسة؛ قلنا إما أن يكون واجبا أو مندوبا، أو مباحا أو مكروها أو محرما، وليس هو بواجب إجماعا، ولا مندوبا، لأن حقيقة المندوب: ما طلبه الشارع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشارع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون، ولا العلماء المتدينون فيما علمت.

وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت، ولا جائزا أن يكون مباحا، لأن الابتداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين، فلم يبق إلا أن يكون مكروها أو محرما، وحينئذ يكون الكلام في فصلين، والفرقة بين حالين:

أحدهما:

أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه في عياله، لا يجاوزون في ذلك الاجتماع أكل الطعام، ولا يقترفون شيئا من الآثام. هذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام، وعلماء الأنام، سرج الأزمنة، وزين الأمكنة.

والثاني:

أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه، وقلبه يؤلمه، ويوجعه لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف، لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملأى، وآلات الباطل من الدفوف والشبابات، واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الفاتنات، إما مختلطات بهم أو مشرفات، والرقص بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو، ونسيان يوم المخاف، وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفرادهن، رافعات أصواتهن بالتهتيك والتطريب في الإنشاد، والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع، والأمر المعتاد، غافلات عن قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان، وإنما يحلو ذلك لنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب.

وأزيدك أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات المحرمات، فإنا لله وإنا إليه راجعون. بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ، ولله در شيخنا القشيري حيث يقول فيما أجازناه:

قد عرف المنكر واستنكر الـ ... معروف في أيامنا الصعبة

وصار أهل العلم في وهدة ... وصار أهل الجهل في رتبة

حادوا عن الحق فما للذي ... ساروا به فيما مضى نسبه

فقلت للأبرار أهل التقى ... والدين لما اشتدت الكربة

لا تنكروا أحوالكم قد أتت ... توبتكم في زمن الغربه

ولقد أحسن الإمام أبو عمرو بن العلاء حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير