لا شك أن هذا يدخل في حكم رواية المدلسين في الصحيحين ما لم يصرحوا بالسماع، ففي الصحيحين عدد من المدلسين الذين لم يصرحوا بالسماع في الصحيحين ولكن لما وقع الإجماع على صحة ما في الكتابين وتلقتهما الأمة بالقبول أغنى ذلك عن البحث في أسانيدهما وكان الإجماع المذكور دليل على وقوع السماع في هذه الأحاديث، وإلا لكان أهل الإجماع مجمعين على خطأ وهو ممتنع.
وهذا أصل عظيم ينبغي التمسك به والعض عليه بالنواجذ، ولا نتحول عنه بأي حال.وإذا رأيت من خالف هذا الأصل فاعلم أنه خالف الصواب وحاد عن سبيل أهل العلم، والله الهادي للصواب.
وأشارت عبارات العلماء الحفاظ الثقات رحمهم الله تعالى إلى هذا المعنى:
v قال الإمام النووي في مقدمة شرح مسلم [1/ 33]: ((واعلم أن ما كان في الصحيحين عن المدلسين ونحوها فمحمول على ثبوت السماع من جهة أخرى)).
ونص على ذلك الحافظ العراقي في التقييد والإيضاح [ص 442].
وقالا في التقريب وشرحه [1/ 230]: (((وما كان في الصحيحين وشبههما) من الكتب الصحيحة (عن المدلسين بعن فمحمول على ثبوت السماع) له (من جهة أخرى. وإنما اختار صاحب الصحيح طريق العنعنة على طريق التصريح بالسماع،لكونها على شرطه دون تلك)).اهـ.
v وقال الحافظ ابن التركامني: ((إخراج مسلم لحديثه (أي المدلس الذي لم يصرح بالسماع) هذا في صحيحه دليل على أنه ثبت عنده أنه متصل وانه لم يدلس فيه)).اهـ. الجوهر النقي [3/ 327].
ونقل السخاوي [فتح المغيث 1/ 176] عن الحافظ قطب الدين الحلبي في "القدح المعلى في الكلام على بعض أحاديث المحلى"قال: ((أكثر المعنعنات التي في الصحيحين مُنزَّلة مَنزِلة السماع، يعني إما لمجيئها من وجه آخر بالتصريح ,أو لكون المعنعن لا يدلس إلا عن ثقة , بعض شيوخه , أو لوقوعها من جهة بعض النقاد المحققين سماع المعنعن لها)) اهـ.
v وقال الحافظ السيوطي في ألفيته (ص 6):
وما أتانا في الصحيحين بعن فحمله على ثبوته قمن
أضف إلى ما سبق أن مسلماً عرض كتابه على أبي زرعة الرازي فكل حديث أشار أن له علة أخرجه من الصحيح. كما أن مسلماً لم يضع حديثاً في صحيحه إلا ويكون قد اتفق على تصحيحه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وسعيد بن منصور وعثمان ابن أبي شيبة. والظن بهؤلاء الأئمة الحفاظ ([23]) أنهم ما اتفقوا على إخراج عنعنة في الصحيحين إلا وقد علموا أن لا علة فيها.والله أعلم.
ويسعفهم قول الحاكم رحمه الله تعالى [معرفة علوم الحديث ص [108]: ((ومن هذه الطبقة ـ الخامسة عنده ـ جماعة من المحدثين المتقدمين والمتأخرين مخرج حديثهم في الصحيح إلا أن المتبحر في هذا العلم يميز بين ما سمعوه وما دلسوه)) اهـ.
فلا يأتي في عصرنا هذا شخصٌ غاية أمره الإطلاع على الميزان والاعتمادات على المختصرات.فإذا وجد شخصاً اتهم بالتدليس ورآه في سند غير مصرح بالسماع حكم على ذلك السند بالضعف غاضاً الطرف عن كونه روى عن شيخه الذي أكثر عنه، أو إنه من إحدى المرتبتين اللتين صرح الحفاظ بقبول رواية ما لم يصرحوا فيه بالسماع، أو أن السند مما تلقته الأمة بالقبول.وعند ذلك يتجاسر فيحكم على أحاديث الصحيحين بالضعف لوجود مدلس بها لم يصرح بالسماع، فيسبب بذلك فوضى كبيرة ([24]) نسأل الله تعالى العافية.
ـ[عبد الله]ــــــــ[20 - 01 - 03, 09:46 م]ـ
فصل
هناك عقبات تقف أمام المتجَرئ على أحاديث الصحيحين كافية لردع من تسول له نفسه التدخل فيما لا يعنيه ,منها المستخرجات. ذلك أن الأمة اهتمت بالصحيح غاية الاهتمام ومن آثار هذا الاهتمام مستخرجات , والمستخرجات على صحيح مسلم كثيرة زادت على عشرة مستخرجات , وهذا يدل على العناية العظيمة , والاهتمام الجسيم بهذا الصحيح , هذا غير المستخرجات التي على الصحيحين معاً. ومن تطلبها فعليه بالرسالة المستطرفة [ص 26 ـ 30] لشيخ مشايخنا السيد محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله تعالى.
وهذه المستخرجات لها فوائد هامة:
منها تصريح المدلس بالسماع،ولم يكن قد صرح في الصحيح. قال الحافظ في النكت [1/ 322] عند ذكر فوائد المستخرجات: ((الثانية:ما يقع فيها من حديث المدلسين بتصريح السماع، وهي في الصحيح بالعنعنة، فقد قدمنا أنا نعلم في الجملة أن الشيخين اطلعا على أنه مما سمعه المدلس من شيخه، لكن ليس اليقين كالاحتمال ([25])،فوجود ذلك في المستخرج ينفي أحد الاحتمالين)).اهـ.
¥