وعليه فمن أراد أن يخوض هذه الأمواج العوالي، فليعرف أنه ضعيف لا طاقة له بها، فليقف بعيداً، وليسلم لأرباب الحفظ والاطلاع، وليعلم أنه ركب الصعب والذلول، وأمامه عقبات لا يمكن أن يتسورها. ففضلاً عن مخالفته لإجماع الأمة وتلقيها لأحاديث الصحيحين بالقبول، وتوهين أمر صاحب الصحيح بالاستدراك عليه في أمر ظاهر واضح لا يكاد أن يخفى على طلبة الحديث فضلاً عن الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام خيراً.
فعلى الألباني أن يبين لنا هل اطلع على هذه المستخرجات؟.
وإن كان قد اطلع عليها, فهل وجد أحاديث أبي الزبير عن جابر التي ضعفها بناء على نظره في الأسانيد, مروية في المستخرجات بدون تصريح أبي الزبير بالسماع؟.
هذا لا طاقة له به, كيف يطلع على كل هذه المستخرجات, فغالب هذه المستخرجات غير موجود بين أيدينا, ولعلها فقدت. فمستخرج أبي عوانة على مسلم المطبوع منه غير كامل لنقص أصله المخطوط, ويوجد بعض قطع من مستخرج أبي نعيم الأصبهاني على مسلم, قطعة منه بالظاهرية. وربما توجد بعض المستخرجات الأخرى بين ثنايا المخطوطات والله أعلم.
بل إن الألباني الذي يضعف أحاديث صحيح مسلم, لا يطلع أحياناً على مستخرج أبي عوانة المطبوع المتداول. ودليل ذلك أنه حكم على حديث: ((لا تذبحوا إلا مُسنة)) بالضعيف, وعلته أن أبا الزبير مدلس ورواه بالعنعنة عن جابر, فتطاول على هذا الحديث الشريف, وعلى صحيح مسلم, وعلى إجماع الأمة وقال عن هذا الحديث في الضعيفة [1/ 91]: ((كان الأحرى به أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة)).اهـ.
والحديث المذكور رواه أبو عوانة في صحيحه [5/ 227] من حديث محمد بن بكر عن ابن جريج حدثني أبو الزبير أنه سمع جابراً يقول: ..... وذكر الحديث فصرَّح أبو الزبير بالسماع والحمد لله رب العالمين، وسيأتي مزيد من الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
والمقصود بيان أن الألباني قصَّر في الإطلاع على المطبوع المتداول من المستخرجات فأوقعه ذلك في خطأ كبير،فما بالك بالمستخرجات المخطوطة وغالبها أو كلها ـ عدا مستخرج أبي نعيم ـ مجهول المكان. ففض يديك يا أخي المسلم من هذه الدعاوى، واعلم أنكل من يحاول تضعيف حديث في الصحيح قد جانبه الصواب، وكفاك إشباع حفاظ الأمة للصحيحين ثناءاً و إجلالاً، وقد أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم.
فاعن به ولا تخض بالظن ولا تقلدنَّ غير أهل الفن
فصل
عندما يريد الألباني أن يضعف حديث مسلم من رواية أبي الزبير المكي غير مصرح بالسماع، عن جابر أو غيره،يستشهد بكلام للحافظ الذهب الذي ذكره في ميزان الاعتدال في ترجمة أبي الزبير المكي [4/ 39]،قال الذهبي رحمه الله تعالى ما نصه: ((وفي صحيح مسلم عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع عن جابر، وهي من غير طريق الليث عنه ,ففي القلب منها شيء , من ذلك: حديث لا يحل لأحد حمل السلاح بمكة، وحديث رأى عليه الصلاة والسلام امرأة فأعجبته فأتى أهله زينب، وحديث النهي عن تجصيص القبور وغير ذلك)).اهـ.
وكلام الحافظ الذهبي يحتاج لتوضيح يظهر في الوجوه الآتية:
الأول:
قوله: ((لم يوضح فيها السماع ففي القلب منها شيء)) ,لا يلزم من قول الذهبي ((في القلب منها شيء)) تضعيف هذه الأحاديث فإن هذه اللفظة يذكرها المحدثون عند التردد أو التوقف في الحديث , وهذه طريقة ابن خزيمة يورد الحديث في صحيحه ثم يقول وفي القلب منه شيء , فالذي يعتبر أن هذا تضعيف يكون قد أخطأ , فالذهبي رحمه الله تعالى لم يحكم على الأحاديث المذكورة بالضعف – كما فعل الألباني – بل تردد في الحكم عليها بالصحة أو توقف لما يعلم من مكانة الصحيح.
فشتان بين فعل الحافظ الذهبي وبين استشهاد الألباني، والحق يقال إن كلام الذهبي دليل على الألباني لا له، لأن الذهبي رحمه الله تعالى اتبع طريقة أهل الحديث بالتسليم بصحة أحاديث الصحيحين رغم أن في قلبه شيئاً من الأحاديث المذكورة ,فلم يتجرأ ويحكم على الحديث , بل أبان عن غصة فقط , وإن كان الأول عدم الدخول في هذه المسالك،بعد اتفاق الأمة على تلقي الكتاب بالقبول، فلو أعمل الألباني النظر لما استشهد بقول الذهبي، ولعلم أنه استند إلى بيت من بيوت العنكبوت.
¥