تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كم من باغٍ للخيرِ عازم عليه وأدركَه الموتُ ولم يستطع ذلك حال بينَه وبين الخيرِ سوفَ.

كم من عازمٍ على الخيرِ سوّفَه.

كم ساع إلى فضيلة سوف ثبطته وقيدته.

فالحزم الحزمَ بتداركِ الوقت وترك التسويف فإن سوف جنديٌ من جنودِ إبليس.

فأطرح سوف وحتى ........ فهما داء دخيل

يقولُ كعب:

فكنتُ إذا خرجتُ في الناس بعد خروج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أحزنني أن لا أرى أسوة لي إلا رجلاً مغموصا علي النفاق، أو رجلا ممن عذره الله من الضعفاء واللذين لا يجدون ما ينفقون.

ولم يذكرني رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم) حتى بلغَ تبوك فقال وهو جالسُ بين أصحابِه:

ما فعلَ كعب؟

فقال رجلُ من بني سلَمة: يا رسول الله حبسَه برداه ونظره في عطفيه (أي إعجابه بنفسه).

فقال معاذُ وقد استنكرَ الأمرَ وهو يعلم من أخيه ما يعلم: بئس ما قلت واللهِ يا رسولَ الله ما علمنا عليه إلا خيرا. فسكتَ (صلى الله عليه وسلم).

أيها المسلمون:

إن معاذً رضي اللهُ عنه لم يسَعَه السكوت وهو يرى من ينالُ من عرضِ أخيه المسلم فبادرَ بالإنكار، لم تغلبه المجاملة فيسكتَ كما يفعلُ البعض، كيف يسكت وهو يعلم قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

(كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، من رد عن عرض أخيه رد الله عن عرضه وعن وجهه النار يوم القيامة). ويهو يعلم أيضا أن الساكت كالراضي، والراضي كالفاعل فلينتبه.

يقول كعب:

فلما بلغني أنه توجَه قافلا (يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم) حضرني همي – حضره بثه وحزنه- قال فطفقت أتذكر الكذب وأقولُ: بماذا أخرج من سخط رسول الله (صلى الله عليه وسلم) غدا.

واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلم قيل إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد أظل قادما، زاح عني الباطلَ وعرفت أني لن أخرج منه أبداً بشيءٍ في كذب فأجمعتُ صدقَه ويا له من رأي.

وقدم (صلى الله عليه وسلم) ثم جلسَ للناسِ، وجاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له فقبلَ منهم علانَيتهم ووكل سرائرَهم إلى الله وهذا هو منهجنا.

وجئته فلما سلمت عليه تبسمَ تبسم المُغضب ثم قال تعال، فجئت أمشي حتى جلستُ بين يديه، فقال:

ما خلفَك يا كعب، ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟

فقلتُ يا رسولَ الله:

والله لو جلستُ عند غيرِك من أهلِ الدنيا لرأيتُ أني سأخرجُ من سخطِه بعذر، واللهِ لقد أُعطيتُ جدلا، ولكني والله لقد علمتُ أني لإن حدثتُك اليومَ حديثِ كذبٍ ترضى به عني، ليوشكَن اللهَ أن يسخطَك علي، ولأن حدثتُك حديث صدقٍ تجد علي فيه إني لأرجُ فيه عفو الله، واللهِ يا رسولَ الله ما كان لي من عذر، والله ما كنتُ قط أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفتُ عنك.

فقال (صلى الله عليه وسلم) أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضيَ الله فيك.

صدقٌ، وضوح، صراحة لا التواء ولا مراوغة، علم كعبُ أن نجاتَه في الدنيا والآخرةِ إنما هي في الصدق، وقد هدي ووفق للصواب، والموفق من وفقه الله.

يقول كعب فقمتُ وثار رجال من بني سلمة فأتبعوني وقالوا لي:

واللهِ ما علمناك يا كعبُ قد أذنب ذنبا مثل هذا، أو قد عجزت أن لا تكونَ اعتذرتَ إلى رسولِ الله بما اعتذر إليه المخلفون، قد كان كافيك ذنبَك استغفارُ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) لك.

يقولُ فواللهِ ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجعَ فأكذبَ نفسي.

عباد الله:

ما أشد خطر صديق السوء، كاد يهلك سعد بسبب بني عمومته الذين يظهرون بمظهر الناصح المشفق، وهم يدفعون به إلى واد سحيق من الهلاك هلك به جمع كبير من المنافقين.

إنها مقالة ويا لها من مقالة كثيرا ما تتكرر في مجالسنا، يتهمون الصادق بأنه طيب القلب غر لا يحسن المراوغة ولا المخارج، ويصفون الكاذب بالذكي الألمعي العبقري، وكبرت كلمة تخرج من أفواههم.

أرأيت لهؤلاء عندما وصفوا الأمر لكعب بأنها أول كذبة ولا ضير منها، وسيعقبها استغفار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد ذلك، وكل ذلك وسائل لتزيين الباطل يبهرجها قرين السوء من حيث شعر أو لم يشعر فلينتبه.

فمن العداوة ما ينالك نفعه ........ ومن الصداقة ما يضر ويألم

وأعلنت المقاطعة لهذا وصحبه، بل التربية النبوية العميقة.

يقول كعب:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير