ـ[عبد الله]ــــــــ[24 - 01 - 03, 01:53 م]ـ
قال محمد الأمين:
"إذا ضعّف الألباني إسناداً لكنه صحح الحديث بمجموعه فهو عمل يوافق عمل كبار المحدثين وليس عملاً يشان فيه"
ولهدم كلامه نذكر مثلاً واحداً فقط:
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى [كتاب الأضاحي 3/ 1555]:
حدثنا أحمد بن يونس،حدثنا زهير،حدثنا أبو الزبير، عن جابر،قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة،إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن)).
صرح أبو الزبير بالسماع في مستخرج أبي عوانة على مسلم [5/ 228].
قال أبو عوانة بعد أن ذكر طرقه لهذا الحديث برواية زهير عن أبي الزبير عن جابر قال: ((رواه محمد بن أبي بكر عن ابن جريج حدثني أبو الزبير أنه سمع جابراً يقول ... )) وذكر الحديث.
ومحمد بن بكر هو عثمان البرساني،ثقة احتج به الجماعة. التهذيب [9/ 77].
وهذا من فوائد المستخرجات ومن فوائد المعلقات، تجد الحديث في الصحيح بطريق ليس فيه تصريح بالسماع ممن اتهم بالتدليس،فيأتي المستخرج على الصحيح ويذكر طريقاً فيه تصريح المدلس بالسماع. ولكن الألباني فاتته هذه الفائدة، ووقع في وهم عظيم، وخطأ جسيم، فضعف الحديث المذكور وحشره في ضعيفته، ثم أخذ يشنع على رواية أبي الزبير عن جابر في مسلم وغيره فاحتاج الأمر لنقل كلامه كله وبيان ما فيه،والله المستعان لا رب سواه.
قال الألباني بعد كلام على حديث: ((لا تذبحوا إلا مسنة)) المذكور: ((ثم بدا لي أني كنت واهماً في ذلك تبعاً للحافظ، وأن هذا الحديث الذي صححه هو و أخرجه مسلم كان الأحرى أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة ... )) إلخ كلام الألباني من الضعيفة [1/ 91].
وكلامه لا يحسن السكوت عليه من كل مسلم غيور على دينه ويحب سنة نبيه صلى الله عليه وسلم،وقد احتوى على أخطاء يحسن بيانها في الآتي:
1 - كلامه فيه إيهام لبعض الناس أن هذا الحديث لم يصححه إلا الحافظ، ويوضحه قوله: ((تبعاً للحافظ))،ولكن تجاهل أن الأئمة من المتقدمين والمتأخرين أخرجوا الحديث في مصنفاتهم محتجين به.
- فأخرجه ابن خزيمة في صحيحته [4/ 294]،ومن عادته أن يتوقف في التصحيح لأدنى مناسبة ويقول وفي القلب منه شيء.
- وذكره ابن الجارود في المنتقى [303] وكتابه مصنف في الصحيح.
- وذكره أبو عوانة في مستخرجه [5/ 228] ولم يكن عنده أدنى شبهة في صحته فكتب على الباب ما نصه: ((باب وجوب التضحية بالمسنة وإجازتها بالضأن من بالجذع من الضأن)).اهـ. وما كان له أن يقول هذا ذلك إلا اعتماداً على صحة الحديث، فاعتبروا يا ألي الأبصار.
- وسكت عنه أبو داود [السنن 3/ 127]،ثم المنذري في مختصره [4/ 102].
وتجاهل الألباني أيضاً أن تخريج مسلم للحديث في صحيحه هو تصحيح له، وتجاهل أيضاً أن مسلماً رحمه الله تعالى قد تحرى جهده في انتقاء الحديث الصحيح، وتجنب الضعيف، وصنف كتابه من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة،واستغرق في تهذيبه خمس عشرة سنة، ويقول هو رحمه الله تعالى نفسه: ((ما وضعت شيئاً في كتابي هذا إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئاً إلا بحجة، ليس كل شيء عندي صحيح وضعته، وإنما وضعت ما أجمعوا عليه)).اهـ. () والمجمعون عليهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، كما في محاسن الاصطلاح [ص 91].
وتجاهل أيضاً قول مسلم: ((عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته، وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة أخرجته)).اهـ. مقدمة شرح النووي [1/ 15].
فهؤلاء الأئمة الحفاظ مسلم وابن حنبل، وابن معين، وابن منصور، وابن أبي شيبة، وأبو عوانة، وأبو زرعة، وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حجر، وغيرهم يصححون الحديث، ثم يأتي الألباني في وقتنا هذا فيقول: ((كان الأحرى به أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة)).
وهذا يقوي ما ذكرته سابقاً أن الأئمة يحتجون بترجمة أبي الزبير عن جابر [ص 40 - 42].والمجال واسع لمن يتتبع كلام الحفاظ المتقدمين والمتأخرين في هذا الحديث. لكن إخراج مسلم للحديث في صحيحه كاف للحكم عليه بالصحة، دون النظر إلى سنده، لأن أحاديثه تفيد العلم النظري كما تقدم [ص 9].فكان الأولى بالألباني- سامحه الله - أن يقول: إني كنت واهماً في ذلك تبعاً للأمة، بدلاً من قوله: إني كنت واهما في ذلك تبعاً للحافظ، ثم عليه أن يبين تبع من هو في تضعيف هذا الحديث ... !.
¥