هذه القصة يفهم منها أنه قد ترك الصلاة، حيث أن بعض طلبته شكوا في عدم مواظبته على الصلاة من خلال مجالسته ونحو ذلك، فعمدوا إلى وسيلة للتحقق من ذلك، فوضعوا الحبر على رجله ثم وجدوها بعد يومين على ما هي عليه، فحتى لو كان يرى مجرد المسح على القدمين بالماء لتأثر العلامة بذلك.
فلعل هذا الذي جعل الذهبي رحمه الله يجزم بذلك.
ـ[أبو حزم فيصل الجزائري]ــــــــ[31 - 10 - 07, 12:34 ص]ـ
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداء له و خصوم
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد.
ذكر الذهبي في [الميزان] أنه صح عن الأمدي أنه كان تاركا للصلاة. أه.
و يظهر أن الذهبي استند في ذلك إلى مانقله في كتابه [تاريخ الإسلام] عن شيخه القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة إبي الفضل المقدسي حكاية عن الشيخ شمس الدين بن إبي عمر, قال: كنا نتردد على السيف الأمدي فشككنا هل يصلي ,فتركناه حتى نام , و علمنا على رجله بالحبر فبقيت العلامة نحو يومين مكانها.
أقول: قد يبقى الحبر أياما على العضو مع تتابع الوضوء و الغسل و خاصة عضو من لايرى التدليك فرضا في الطهارة بل يكتفي بإسالة الماء في غسله ووضوئه ,و لا أدري كيف سكت من كان يتردد عليه لطلب العلم عن الإنكار عليه أو النصح له أو الحديث معه في الصلاة إن كان كان ماذكروه دليلا عندهم على تركه للصلاة ,وعلى كل حال فالأصل البراءة حتى يثبت الناقل.
و قال ابن كثير في [البداية]: و كان حنبلي المذهب كثير البكاء رقيق القلب , و قد تكلموا فيه بأشياء الله أعلم بصحتها , و الذي يغلب على الظن أنه ليس لغالبها صحة ,و قد كانت الملوك بني أيوب كالمعظم و الكامل يكرمونه ,و إن كانوا لا يحبونه كثيرا, و قد فوض إليه المعظم التدريس بالعزيزية ,فلما ولي الأشرف عزله لاشتغاله بالمنطق و علوم ال
الأوائل ,فلزم بيته حتى توفي في صفر سنة 631ه عن ثمابين سنة ,انتهى.
وقد برأه ابن كثير مما رمي به في الجملة ,فأنصفه من خصومه منه.
أقول:إن الأمدي قد درس الفلسفة بأقسامها المختلفة و توغل فيها و تشبعت بها روحه حتى ظهر أثر ذلك في تأليفه ,و من قرأ كتبه و خاصة ماألفه في علم الكلام و أصول الفقه يتبين له ماذكرت ,كما يتبين له منها أنه كان قوي العارضة كثير الجدل واسع الخيال كثير التشقيقات في تفصيل المسائل و الترديد و السبر و التقسيم في الأدلة إلى درجة قد تنتهي بالقارىء أحيانا إلى الحيرة.
فمن كره من الولاة و العلماء منطق اليونان و الخوض في سائر علوم الفلسفة و خاصة مايتعلق منها بالإلهيات ,و كره كثرة الجدل و الإسترسال في الخيال و الإكثار من تأويل النصوص و ذكر الإحتمالات خشية ماتفضي إليه من الحيرة و المتاهات ,مع قلة الجدوى منها و عدم الفائدة أحيانا , كالأشرف و الذهبي كره الأمدي دينا ,و أنكر عليه مارأه منكرا ,وقد يجد في كتبه و مسلكه في تأليفها مايؤيد رأيه فيه و يدعو إلى النيل منه.
ومن لم يكره ذلك و لكنه ذاق ذرعا بالأمدي لعجزه أن يصل إلى ماوصل إليه من التبحر في العلوم و قوة عارضته و حضور بديهته في الجدل و المناظرة و حسن أسلوبه و بارع بيانه في التدريس و صناعة التأليف ,حسده, حيث لم يأت مثل ماأوتي في نظره.كما ذكر ابن خلكان عن بعض العلماء في سبب خروجه من مصر مستخفيا.
ومن لم ير بأسا بدراسة المنطق و سائر علوم الفلسفة و ألف التأويل للنصوص و كثرة الفروض و الأحتمالات دراسة و مناظرة و تأليفا ,رفع من شأن الأمدي و عني بالذب عنه وانهال بالملامة على من حط من قدره أو اتهمه في دينه أو طعن في تأليفه ,كابن السبكي ,حيث عاب الذهبي في انتقاصه للأمدي.
و قصارى القول أن العلماء لهم منازع شتى و مشارب متباينة ,فمن اتفقت نزعاتهم تحاربوا وتناصروا وأثنى بعضهم على بعض خيرا, ومن اختلفت أفكارهم ووجهات نظرهم تناحروا وتراموا بالنبال ,إلا من رحم الله.
وأسعدهم بالحق من كانت نزعته إلى كتاب الله و سنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم - ووسعه ماوسع السلف مع رعاية ماثبت من مقاصد الشريعة باستقراء نصوصها ,فكلما كان العالم أرعى لذلك و ألزم له كان أقوم طريقا و أهدى سبيلا ,و المعصوم من عصمه الله ,و كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -,وكل بني أدم خطاء وخير الخطائين التوابون ,وماالأمدي إلا عالم من علماء البشر يخطىء و يصيب ,فلننتفع بالصواب من قوله و لنرد عليه خطأه ,و لنستغفر له الله ,و ليكن شأننا معه كشأننا مع غيره من علماء المسلمين ,و ليكن شعارنا مع الجميع: [ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا إنك رؤوف رحيم].
و الله ولي التوفيق.
و صلى الله وسلم على نبينا محمد و على أله وصحبه أجمعين.
بقلم: العلامة الأصولي عبد الرزاق عفيفي -رحمة الله عليه -[الإحكام في أصول الأحطام [1/ 13].
¥