تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلقد ظهر في الآونة الأخيرة خلاف بين بعض أهل العلم حول اعتبار مدينة جِدة ميقاتاً مكانياً لأداء مناسك الحج والعمرة مع اتفاقهم على أنها ميقات لأهلها ولما كانت تلك المسائل من مهمات المسائل لمسيس الحاجة إليها، مع كوني لم أقف فيها على بحث يجمع متفرقها ويبين مشتبهها (1)، وإن كنت لا أ زعم أنني سأصنع ذلك ببحثي هذا، بل هو إشارات يستضاء بها وعلامات يهتدي بها، إذ المقام يقتضي الاختصار وإلا فهي من المسائل الكبار، وإنما رغبت على إيقاف القاري الكريم على أطرا ف المسألة ووسطها فأقول مستعيناً بالله متوكلاً عليه:

أولا: لقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أربعة أقوال وسبب خلافهم هو اختلافهم في تفسير المحاذاة وتطبيق معناها على مدينة جدة.

فمن قال بأنّ مدينة جدة محاذية لميقات الجحفة أويلملم فإنه يعتبر مدينة جدة ميقاتاً، ومن لا فلا، ومن قال إن معنى المحاذاة هي كونه الموضوع المحاذي واقعاً بين ميقاتين على خط واحد قال إن مدينة جدة ميقات، ومن لم يفسرها بذلك فلا يعتبر جدة ميقاتاً. (2)

ولذا فإنه يجدر التقديم بتعريف المحاذاة لغة واصطلاحاً فأقول:

إن المحاذاة في اللغة كما قال في القاموس: من حاذاه أي آزاه والحذاء الإزاء الخ .. " (3)

وقال في اللسان: جاء الرجلان حذيتين أي كل واحد منهما إلى جنب صاحبه " (4) وقال في المصباح حذوته أحذوه حذواً وحاذيته محاذاة هي الموازاة، وحذوت النعل بالنعل قدرّتها بها وقطعتها على مثالها وقدرها " (5).

فيتضح بذلك أنّ المحاذاة في اللغة تعني الإزاء والمماثلة والمساواة.

والمحاذاة اصطلاحاً: هي أن تكون مسافة المحاذي والمحاذي به من الحرم سواء كما ذكره ابن الأثير (6) ويفهم من كلام شيخ الإسلام أن المحاذاة هي أن يكون بعد المحاذي والمحاذي في البيت واحداً. (7)

وقال ابن حجر في قوله صلى الله عليه وسلم: (انظروا حذوها) أي اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها. (8) ولم أقف على مخالف من أهل العلم المتقدمين في تفسير المحاذاة. (9)

ثانيا: الخلاف في اعتبار مدينة جدة ميقاتاً مكانياً:

اختلف أهل العلم المعاصرين (10) في هذه المسألة على أربعة أقوال:

القول الأول: إن مدينة جدة ميقات مكاني مطلقاً فيجوز للقادم من جميع الجهات أن يحرم من جدة سواء كان قدومه براً أو بحراً أو جوّاً. وممن قال بهذا القول الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس محاكم قطر (11) و الشيخ عدنان عرعور (12).

القول الثاني: إن جدة ميقات القادمين بالطائرة جوّاً وبالسفينة بحراً.

وممن قال به الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، والدكتور محمد الحبيب بن الخوجه والشيخ عبدالله كنون من المغرب، و الشيخ عبد الله الأنصاري من قطر، ولجنة الفتوى بالأزهر الشريف في تصحيحها لفتوى جعفر بن أبي اللبني الحنفي بجواز تأخير إحرام الأفاقي إلى جدة وغيرهم (13).

القول الثالث: إنّ جدة ليست ميقاتاً إلا للقادم من غربها مباشرة وهم أهل السواكن في جنوب مصر وشمال السودان، وممن قال به الشيخ عبد الله بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء في السعودية سابقاً، و الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي عام السعودية سابقاً (14)، و الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء حالياً. (15) و الشيخ أبو بكر محمود جوفي عضو المجمع الفقهي (16)، و الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عضو الإفتاء سابقاً في السعودية (17) وغيرهم.

القول الرابع: إنّ جدة ليست ميقات مطلقاً، وممن قال به أعضاء مجمع الفقه الإسلامي في الدورة الثالثة (18).

ثالثاً: أدلة الأقوال: أدلة القول الأول:

الدليل الاول: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال (لما فتح هذا المصران -أي الكوفة والبصرة - أتوا عمر فقالوا ياأمير المؤمنين إن رسول الله حدّ لأهل نجد قرناً وهو جور عن طريقنا وإنّا إن أردنا قرناً شق علينا فقال انظروا حذوها من طريقكم فحدّلهم ذات عرق) (19).

وجه الدلالة منه: أن القاعدة في تحديد المواقيت غير المنصوص عليها هي المحاذاة وحدّها أن تكون مسافة المحاذي والمحاذي به عن مكة متساوية، أو يكون الموضع المحاذي واقعاً بين ميقاتين على خط واحد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير