تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أدلة القول الثاني: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين مواقيت في الجو لأن الطائرات لم تكن موجودة في عهد النبوة ولا متصورة، فلا يَصدق على أهل الطائرات أنهم اتو الميقات المحدد لهم لا لغة ولا عرفا، لكون الإتيان هو الوصل للشيّ في محله (31).

وأجيب عنه: بأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وأن الهواء تابع للقرار كما قرر أهل العلم، ولذا فلو صلى في الطائرة أو وقف بعرفه في الجو صحت صلاته وحجه، ولم يوقت صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت في هذه الأماكن إلا ليتخذ من النصوص قدوة وأسوة لحرمة البيت العتيق سواء كان طريق الحاج براً أو جواً، ثم إن الإتيان متحقق في المرور به مع عقد نية الدخول في النسك، ويصدق على راكب الطائرة أنه مرّ بالميقات إذ لا يشترط في المرور المماسّهَ. (32)

ثانياً: ولأن المحاذاة لا يمكن أن تتصور في الجو ولا تنضبط، وكذا في البحر. (33)

وأجيب عنه: بعدم التسليم بل المحاذاة متصورة في الجو والبحر؛ لأن المحاذاة تقريبية، كما يمكن الاحتياط لذلك حتى لايتجاوز الناسك الميقات دون أن يحرم.

ثالثا: ولأنّ في إلزامهم بالإحرام في الجو مشقةً عليهم والمشقة تجلب التيسير (34).

وأجيب: بعدم التسليم بوجود المشقة بل يمكن الإحرام في الجو بيسر، كما أنه يمكن تقديم الإحرام قبل ركوب الطائرة وعقد النية عند المرور بالميقات، وكذا الحال بالنسبة لركاب السفينة بل هي أيسر من الطائرة من جهة السعة وبطء الحركة بحيث يتمكن المحرم من لبس إحرامه بسهولة.

رابعاً: ولأن الحكمة في وضع المواقيت في أماكنها الحالية كونها بطرق الناس وعلى مداخل مكة، وكلها تقع بأطراف الحجاز وقد صارت جدة طريقاً لجميع ركاب الطائرات والسفن ويحتاجون بداعي الضرورة إلي ميقات أرض يحرمون منه لحجهم وعمرتهم، فوجبت إجابتهم كما وقت عمر لأهل العراق ذات عرق، إذ لا يمكن جعل الميقات في أجواء السماء أو في لجة البحر الذي لا يتمكن الناس فيه من فعل ما ينبغي لهم فعله من خلع الثياب والاغتسال للإحرام والصلاة وسائر ما يسن للإحرام، إذ هو ما تقتضيه الضرورة وتوجبه المصلحة ويوافقه المعقول ولا يخالف نصوص الرسول صلى الله عليه وسلم (35)

وأجيب: بأن وضع المواقيت في طريق الناس لا يلزم منه أنه كلما استحدث الناس طريقاً وضع لهم ميقات بدون نظر إلى المواقيت المنصوصة ولا محاذاة لها، إذ لو كان كذلك لما صار لتلك المواقيت شرعية، ولم يكن لوضعها كبير أثر، ثم إن تفاوت مسافاتها يدل على مقصد تعبدي تجب مراعاته وربط المواقيت الأخرى بها، كما يدل عليه أيضا حديث عمر المتقدم في توقيت ذات عرق حيث قال "انظروا حذوها" (36) أي حذو قرن المنازل.

و أما كون الميقات في جو السماء أو لجة البحر فلا إشكال فيه، إذ الشريعة جاءت لكل الأزمان، والله لا يخفى عليه صنع تلك الطائرات والسفن فهو القائل (وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (37).

وأما خلع الثياب والاغتسال للإحرام والصلاة وسائر سنن الإحرام فإنها تقدم قبل ركوب الطائرة؛ لأنه إذا تعارض عندنا الإحرام قبل الميقات أو بعده فيقدم الإحرام قبل الميقات، ولا ريب؛ لأنه جائز بدون تعارض مع الإحرام بعد الميقات فكيف إذا تعارض (38)

أدلة القول الثالث:

الدليل الأول: ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم، هن لهنّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من أهله) (39)

وجه الدلالة: أن الحديث دل على وجوب إحرام من مرّ على هذه المواقيت وليس من أهلها، ولا يجوز له تأخير الإحرام إلى جدة أو غيرها مما يلي الميقات الذي مرٌ عليه، ولما كانت المواقيت محيطة بالحرم عدا جهة الغرب لمدينة جدة، فلذا لا يجوز تجاوز الميقات للإحرام من جدة إلا للقادم من غربها وهي جهة جنوب مصر وشمال السودان.

الدليل الثاني: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لما فتح هذان المصران أي الكوفة والبصرة أتو عمر فقالوا يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرناً، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنا شق علينا فقال: انظروا حذوها من طريقكم فحدّ لهم ذات عرق) (40).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير