[الهمة في طلب العلم]
ـ[الصبحي]ــــــــ[25 - 10 - 07, 07:07 م]ـ
قال شيخنا عبدالكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم علي عبده ورسوله، نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
وبعد شكر الله -جل وعلا- علي نعمه التي لا تعد ولا تحصى، الشكر موصول علي القائمين علي هذه الدورات، التي نسأل الله -جل وعلا- أن يثيبهم، ولا يحرمهم أجرها وأجر من عمل بها, فهم المفاتيح, مفاتيح هذا الخير، على أنهم لما كلموني في هذا الموضوع ليكون كالخاتمة لهذه الدورة اعتذرت, اعتذرت عن قبول الدعوة لا زهد في الأجر ولا رغبة عن نفع الإخوان؛ لكن لمخالفة الخُبر الخَبر, فالهمة وموضوعها يحتاج أن يتحدث به أو فيه من اتصف بها, اعتذرت وما قبلوا، وقلت بعد ذلك: لعلي أن أجد في مقرؤاتي من الأمثلة ما يبعث على الهمة، وإلا فالإخوة اغتروا، وكيف يؤتى ببخيل يتحدث عن الكرم، وبجبان يتحدث عن الشجاعة؟ أقول: الإخوان استسمنوا ذا ورم، وقبلهم من الشباب لكن نعذرهم لصغر أسنانهم وقلة خبراتهم وتجاربهم، ومنهم من جاء يسألني هل صحيح أنك قرأت فتح الباري سبعين مرة؟ قلت: فتح الباري يحتاج لقرأته سبعين مرة إلي مائة وأربعين سنة؛ لأن كل مرة بسنتين، يحتاج إلى سنتين، الإخوان يحسنون الظن، وأرجو أن أكون عند ذلك.
هذا الموضوع يحتاج إلى أن يتحدث فيه من عمر وقته بالعلم والعمل وصان أيامه ولياليه عن القيل والقال وقد ضربنا في هذا الباب -الذي هو التضييع والتفريط- ما نرجو أن يغفره الله لنا، ويتجاوز عنا وعنكم، هذا الموضوع بعد أن نعرف الهمة والهم من كلام أئمة اللغة وغيرهم، نتحدث عن بعض الأمثلة التي ضربها سلفنا الصالح في هذا الباب.
في تهذيب اللغة للأزهري نقلاً عن الليث بن مظفر يقول: "الهم ما هممت به من أمر في نفسك، تقولوا: أهمني الأمر، والمهمات من الأمور الشدائد, والهم الحزن، والهمة ما هممت به من أمر لتفعله، وتقول: أنه لعظيم الهمة، وإنه لصغير الهمة, والهُمام من أسماء الملوك لعظم همته، والهِمة -كما جاء في المصباح- بالكسر أول العزم، وقد تطلق على العزم القوي، يقول: الهمة أول العزم إذا عرفنا مراتب القصد التي أولها الهاجس، ثم الخاطر، ثم حديث النفس، ثم الهم، ثم العزم، وبعد العزم يأتي الفعل، الذي هو التنفيذ، فالهم دون العزم:
مراتب القصد خمسٌ هاجسٌ ذكروا ... فخاطرٌ فحديث النفس فاستمعا
يليه همٌ فعزمٌ كلها رفعت ... إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا
يعني لا يؤاخذ الإنسان على الهاجس، ولا على الخاطر، ولا حديث النفس، ولا على الهم أيضاً؛ لكنه يؤاخذ على العزم إلا إذا ارتقى الهم إلى درجة العزم؛ لأنه أول العزم، والعزم يؤاخذ عليه الإنسان حديث: ((إذا التقى المسلمان بسيفهما القاتل والمقتول في النار)) قيل: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: ((إنه كان حريص على قتل صاحبه)) عازم على قتل صاحبه، فالعزم مؤاخذ عليه.
علي كل حال الذي يهمنا في هذه المراتب الهم، ويقول صاحب المصباح: أنه أول العزم، وقد يطلق على العزم فيقال: له همة عالية، والهم بالفتح أول العزيمة، جاء في الحديث الصحيح: ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام وأمر رجال يذهبون معي بحزم من حطب فأخالف إلى أقوام لا يشهدون الصلاة فاحرق عليهم بيوتهم بالنار)) ثم عدل عن ذلك بقوله: ((ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بالنار)) فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هم أن يحرق عليهم بيوتهم ولا يهم -عليه الصلاة والسلام- إلا بما يجوز له فعله، {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [(24) سورة يوسف] وهو دون العزم الذي يؤاخذ به على خلاف طويل بين أهل العلم في المراد بالهم هنا, يقول ابن فارس: "اللهم ما هممت به، وهممت بالشيء هماً من باب قتل، إذا أردته ولم تفعله" يقول ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: "وقد جعل منزلة الهمة من منازل إياك نعبد وإياك نستعين" جعل الهمة في طلب ما يرضي الله -جل وعلا-، ويدخل تحصيل العلم الشرعي المرضي والموصل إلى مرضاة الله -جل وعلا- دخولاً أولياً؛ لأنه بعد الفرائض من أفضل ما يتعبد به.
¥