ساعة في اليوم الثاني ساعة في اليوم الثالث إلى أن يضيق ذرعاً بوقت الطعام، ما يجد وقت للطعام، حتى أنه وجد من أهل العلم من يجعل القارئ يقرأ عليه وهو في مكان قضاء الحاجة؛ لئلا يضيع الوقت، واعرف من شيوخنا من حفظ ألفية العراقي وهو يتوضأ، يعني أحدهم يصب عليه الماء يتوضأ والثاني يقرأ عليه، بس وقت الوضوء! ووقت الوضوء يحتاج إلى آيش؟ دقيقة، يحفظ بيت، وحفظ كتب أخرى، بس هذا مثال, هذا من استغلال الوقت، وهذه همة عالية نحتاج إليها:
على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ ... وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ, العزائم: جمع عزيمة، والآن يلتبس العزيمة المأخوذة من العزم بالولائم وأحياناً يستدل بعض الناس أو يورد هذا البيت إذا كانت الوليمة كبيرة يقول: على قدر أهل العزم تأتي العزائم هذا قلب للحقائق:
على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ ... وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
نعم، الإنسان حيث يضع نفسه؛ لكن لا يضع نفسه منزلة لا يستطيعها.
وتكبر عين الصغير ضغارها ... وتصغر في عين العظيم العظائمُ
نعم، وهل في مما يتنعم به أعظم من الجنة، إذا كان همة الإنسان الجنة وعمل لها حق له.
عمر بن عبد العزيز لما كان والياً على المدينة نعم, كانت همته الولاية على المدينة ثم حصلها، ثم الخلافة ثم حصلها، إيش بقي؟ أول يوم تولي الخلافة سمت همته إلى أعظم من الدنيا كلها إلى الجنة، فعل لها، وسمعتم وقرأتم سيرته في هاتين السنتين مدة خلافته ما لا يحقق في عشرات السنين، سنتين وعمره أربعون سنة، توفي -رحمه الله-، فالأعمال ما تقاس بالأعمار إنما تقاس بالإنجازات, تجد الشخص يعيش تسعين سنة، مائة سنة مثلاً وإذا وجدته إن كان من أهل العلم وجدت تراثه إذا جمعته وجدت أوراق، وقد لا تجد، تبحث عن طلاب يذكرونه ما تجد، وهو يشار إليه أنه من أهل العلم، وجلس إلى المشايخ، وحصل علم، وتولى منصب، ومنهم من بلغت علومه شرق الأرض وغربها، في نصف هذه المدة، عمر بن عبد العزيز أربعين سنة، النووي ست وأربعين سنة لو اجتمعت جامعات الدنيا من أجل تأليف مثل المجموع ما استطاعوا، لماذا؟ لأن النووي ما عنده استراحة، ولا عنده مائدة تجلب من ست قارات، مائدة تجلب من ست قارات؟ هذا مو بخيال يا إخوان هذا واقع يعيشه بعض الناس الآن، النووي عنده كسرة خبز، وماء مالح؛ لأن همته سمت عن الدنيا كلها، بهذا العمر القصير شوف النفع الكثير والكبير خلف من الكتب من الطلاب من له أجره وأجر من علمه هؤلاء الطلاب إلى يوم القيامة، لو أن الله -جل وعلا- ولو تفتح عمل الشيطان؛ لكن في مثل هذا لو أن الله -جل وعلا- نزهه عن التخليط في بعض مسائل الاعتقاد, نسأل الله -جلا وعلا- أن يعفو عنا وعنه.
مما ذكرنا في أول الأمر وأن الهمة قد تكون فوق ما يطلب من الإنسان، أو ما يتصور ويتوقع منه, تمنى بعض النساء الجهاد في سبيل الله، فانزل الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(32) سورة النساء] فكل إنسان يتمنى ويهم بما يليق به.
الشوكاني -رحمه الله- له كتاب اسمه: أدب الطلب، فيه توجيهات لطالب العلم، يقول فيه: "ينبغي لمن كان صادق الرغبة، قوي الفهم، ثاقب النظر، عزيز النفس، شهم الطبع، عالي الهمة، سامي الغريزة، أن لا يرضى لنفسه بالدون، ولا يقنع بما دون الغاية، ولا يكل عن الجد والإجتهاد المبلغين به إلى أعلى ما يراد، وأرفع ما يستفاد، فإن النفوس الأبية، والهمم العلية لا ترضى بما دون الغاية في المطالب الدنيوية، تجد من الناس يغامر بحيث لو أخفق في هذا المشروع الذي غامر فيه صار مديناً إلى أن يموت، ومع ذلك يغامر رجاء إيش؟ المكاسب الطائلة يقول: "والهمم العلية لا ترضى بما دون الغاية في المطالب الدنيوية من جاهٍ أو مالٍ أو رئاسة أو صناعة أو حرفة أو غير ذلك" يعني إذا كان هذا في أمور الدنيا فكيف بأمور الآخرة التي الدنيا بحذافيرها لا تزن عند الله جناح بعوضة؟ يعني إذا نسبنا الدنيا كلها بجميع ما حصل فيها من نعيم من أول مخلوق إلى قيام الساعة ماذا تزن عند الله -جل وعلا-؟ جناح بعوضة، لا تزن عند الله جناح بعوضة، من يعرف قدر هذه الدنيا؟ يعرفها مثل سعيد بن المسيب، عنده بنت علمها وأدبها فصارت محدثة فقيهة، هذه يربيها سعيد لمن؟ للخليفة أو لابن الخليفة؟
¥