خطبها ابن الخليفة فجاءه السفير بينهما –الواسطة- فقال: يا سعيد جاءتك الدنيا بحذافيرها، قال: كيف؟ قال: فلان يريد البنت، قال: يا فلان إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا يقص لي من هذا الجناح؟ صحيح, ويزوجها طالب فقير، لا يملك شيء، هذه هي الهمم، همم تسمو إلى مرضاة الله -جل وعلا-، وإلى تحقيق هذه الغاية، فأين طالب العلم من تحقيق هذه الغاية؟ يقول:
إذا غامرت في شرف مرومٍ ... فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير ... كطعم الموت في أمر عظيم
الموت هو هو ما يتغير، خلاص طعمه واحد، فطعمه في تحصيل درهم أو طعمه في تحصيل معصية، نسال الله السلامة والعافية مثل طعمه في تحصيل الشهادة، بل الموت بالنسبة للشهيد قد لا يشعر به، يقول القائل:
بقدر الكد تكتسب المعالي ... ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن رام العلا من غير كدٍ ... أضاع العمر في طلب المحالِ
تروم العز ثم تنام ليلاً ... يغوص البحر من طلب أللآلي
بقدر الكد تكسب المعالي، قد يقول قائل: هذا الكلام ما هو بصحيح، بقدر الكد تكتسب المعالي، ومن طلب العلا سهر الليلي، كيف ما هو بصحيح؟ يقول: أنا عندي الحافظة ضعيفة، فاحتاج إلى ليلة كاملة لأحفظ ورقة وزميلي ما يكد ولا يتعب في خمس دقائق يحفظ ورقة، وأنتم تقولون: بقدر الكد تكتسب المعالي، نقول: يا أخي هل المعالي جمعت في هذه الورقة التي حفظتها؟ أليس بتعبك ونصبك في ما يرضي الله -جل وعلا- تحصيل للمعالي، فالذي يتعب في تحصيل العلم لا يضيق بذلك ذرعاً؛ لأنه في عبادة، نعم يبذل السبب، ويمشي على الجادة، ويصل بإذن الله -جل وعلا- إذا علم الله منه صدق النية والإخلاص؛ لكن أنت افترض أن شخصاً سبعين سنة يطلب العلم وفي النهاية لا شيء، وزاملنا أناس من هذا النوع، أكثر من سبعين سنة يتردد على الحلق، وفي النهاية لا شيء، يعني هذا ضاع جهده؟ ألا يكفيه حديث: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة)) ما يكفيه هذا يا إخوان؟ يكفي فأنت ابذل السبب والنتيجة بيد الله -جل وعلا-:
ومن رام العلا في غير كدٍ ... أضاع العمر في طلب المحالِ
الأماني التي هي رأس مال المفاليس, إذا أوى إلى فراشه تمنى أن يكون مثل فلان ومثل فلان ومثل علان بدون عمل، ثم إذا أصبح تبخرت هذه الأماني، ورجع إلى عمله بالأمس، هذا لا يدرك شيئاً، أضاع العمر في طلب المحال, تروم العز ثم تنام ليلاً, وإذا نظرنا إلى حال كثير من طلاب العلم قلنا: قد ينال العز من ينام ليلاً إن قارناه في واقع كثير من طلاب العلم الذين يمضون كثير من الليالي في القيل والقال، فضلاً عن العامة، يغوص البحر من طلب اللآليء, ليجلس في البيت فإذا أصبح فإذا في بيته أعداد كبيرة من اللآليء هذه أماني، مثل صاحب العسل عنده منحلة صغيرة فجمع منها في إناء من زجاج شيء من العسل، وربطه لئلا يأتيه ما يريقه, ربطه في حبل وعلقه بالسقف، فلما أوى إلى فراشه وبجانبه العصا، قال: نبيع هذا العسل بمبلغ كذا، ثم نشتري كذا، ثم نبيعه بمكسب كذا، ثم نفعل كذا، إلى أن حصّل، وهو في فراشه المهر، ثم نتزوج، ثم نفعل ونترك، إلى أن يأتي الولد ونربيه على الكسب: الآن ما عنده إلا هذه العلبة من العسل، فإذا خالف يمين شمال فأخذنا العصا وضربناه ضرب الزجاجة وانكسرت تبخر كل شيء، كل الأحلام تبخرت، انتهى.
تروم العز ثم تنام ليلاً ... يغوص البحر من طلب أللآلي
الكثير من طلاب العلم يقول: الوقت ما فيه بركة، السلف نعم هم في وقت مبارك، وحصلوا ما حصلوا لبركة الوقت، ونحن ما عندنا بركة، كيف تتصور البركة في وقتك وأنت إذا جيت من عملك أو من دراستك، وقد ذهب سنام الوقت وصليت العصر الآن الوقت يا الله يستوعب طعام الغداء، ثم صليت العصر، ماذا تترقب بعد الصلاة؟ تترقب شخص من زملائك يقف بسيارته عند الباب، يقول: والله عندنا مشوار نبي نروح عند فلان أو علان، ولا تصل إلى المشوار إلا مع صلاة المغرب، ثم بعد ذلك قيل وقال، وتنصرف بعد ذلك بعد هزيع من الليل، مثل هذا يدرك علم؟ فيه بركة وقته؟ إذا صلى الفجر ذهب إلى فراشه لينام؛ لأنه سهران في الليل، حتى يأتي وقت الدوام أو وقت الدراسة؛ لكن في مثل هذه الأيام والأيام القادمة صلِ الفجر، واجلس في مصلاك، اذكر الله حتى تنتشر الشمس، وخذ معك كتاب واقرأ إلى الساعة سبع أو أكثر، وشوف
¥