تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولو أنه اقتصر على أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم المقطوع بها، والمذكورة في القرآن لكان له شيء من القَبول، مثل قوله:

(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة128:)

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء107:).

(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم4:).

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة: 2)

(وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب40:)

(يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (الأعراف157:)

إلى آخر ما جاء من أوصاف الرسول الكريم في القرآن، وآفاق رسالته.

وقد وضع مبتدع الجواز المزعوم للنبي صلى الله عليه وسلم مقابل صفحة الجواز: صفحة أخرى، يبدو أن المقصود منها: الدعوة إلى رسالة محمد، وتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم، وكنا نتخيَّل أن تشتمل هذه الصفحة على أساسيات الرسالة، والمبادئ العامة لعقيدة الإسلام وشريعته وأخلاقه وقِيَمه، والمقاصد الكلية لهذا الدين.

ولكن خاب أملنا، حيث لم نجد فيها دعوة إلى التوحيد، ولا إلى الإيمان بالآخرة، ولا الإيمان بكتب الله ورسله، ولا إلى العبادات الشعائرية الكبرى: من الصلاة والزكاة والصيام والحج، ولا إلى مكارم الأخلاق التي بُعث محمد صلى الله عليه وسلم ليتمِّمها، ولا إلى مبادئ العدالة والإخاء والمساواة والحرية، ولا إلى الشرائع المحكمة التي تقيم الموازين القسط بين الناس.

بل كل ما ذكر في هذه الصفحة هو الوصية بحبِّ آل البيت رضي الله عنهم، والاعتماد على أحاديث أكثرها غير صحيح، وذكر هذا الموضوع خاصَّة تفوح منه رائحة طائفية لا نحبُّها، ولا نتمنَّى أن تشيع في المسلمين.

ولا يوجد أحد في المسلمين أيًّا كان مذهبه، لا يحبُّ آل البيت ويترضَّى عنهم، بل كلُّ مَن أحبَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام: أحبَّ أهل بيته، كما أحبَّ أصحابه، وهذا أمر طبيعي ومعروف: أن مَن أحبَّ إنسانا أحبَّ كلَّ مَن كان له به صلة وثيقة من قرابة أو صحبة.

ولهذا لا أرى هذا عملا نافعا يمكن للمسلم أن يشغل نفسه به، فضلا عن أن يقدِّمه للناس، معتبرا ذلك من باب تبليغ رسالة محمد إلى العالمين. والحقيقة أنه لم يقدِّم أيَّ شيء في مجال التعريف بالرسالة أو بالرسول.

على أنه في ذاته أمر مبتدَع لا يكتسب أيَّة مشروعية دينية. وفي الحديث الصحيح المتَّفق عليه، عن عائشة رضي الله عنها: "مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ". أي مردود على صاحبه، الذي تجاوز حدوده.

والأجدر بأبناء الإسلام، أتباع محمد عليه الصلاة والسلام: أن يبحثوا عن الاتصال بالعالم عن طريق الآليَّات المعاصرة من الفضائيات والإنترنت وغيرها، للتعريف برسولهم الكريم ذي الخلق العظيم، والمبعوث برسالة الرحمة ودعوة الحق والخير والنور للعالم، ولتقديم الإسلام الصحيح المتكامل على النهج الوسطي الذي يرتبط بالأصول والمقاصد، ويراعي متغيرات العصر ومنجزاته، وما أصدق الحكمة المأثورة: رحم الله امرءا عرَف زمانه واستقامت طريقته.

ولكني لا أوافق الأخ الكريم السائل في تضخيم هذه الإساءة أو هذا التجاوز، وكأنه أنكر المنكرات، أو أكبر الكبائر، أو كأنما يقارب الكفر. وهو لا يدخل تحت حديث"مَن كذب علي متعمِّدا، فليتبوَّأ مقعده من النار"، لأنه لم ينسب هذا العمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى نتَّهمه بالكذب عليه.

كما أنه لا يتعلَّق بالأمور العقائدية الأصولية، كما قال، بل هو يتعلق بأمر فرعي عملي، أعني: من وسائل الدعوة أخطأ فيها الصواب، وابتعد عن سواء الصراط.

فنحن ننكره ونبدِّعه، ولكن لا نبالغ فيه، وفي تكبيره وتهويله، وإنما ننظر إليه وفق منهجنا الوسطي الذي لا يغلو مع الغالين، ولا يفرِّط مع المفرِّطين. وخير الأمور الوسط.

والحمد لله رب العالمين.

الفقير إلى عفو ربه

أ. د: يوسف القرضاوي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير