عليه , لخفاء أمره في المقام الذي نحن فيه؛ و السر في عموم الحكم الأخلاقي هو أنه علي قدر تخلف الإنسان تتحدد هويته.
و تنبني الفلسفة الأخلاقية الإسلامية على التأكيد على صلة الأخلاق بالدين التي لا ينازع فيها إلا مكابر؛ و تتخذ هذه الصلة صورا عدا , إحداها أن الدين هو الأصل في مكارم الأخلاق؛ و الثانية أن الدين هو الأصل في التقويم الأخلاقي للأفعال؛ و الثالثة أن الدين كله أخلاق , أحكاما ومقاصد ,
و يمكن تلخيص الأصول العامة للفلسفة الأخلاقية الإسلامية الجديدة التي استخرجها طه عبد الرحمن أنها تنطلق من مسلمتين أساسيتين هما: لا إنسان بغير أخلاق و لا أخلاق بغير دين , تنبني عليهما نتيجة حاسمة و هي: لا إنسان بغير دين , و يقوم هذا التجديد على إبطال التفرقات المتداولة التي تتفرع عليها النظريات الأخلاقية غير الإسلامية , و هي: التفرقة بين العقل و الشرع و التفرقة بين العقل و القلب و التفرقة بين العقل و الحس , و من هنا فان أركان النظرية الأخلاقية الإسلامية ثلاثة: أولها ركن الميثاق الأول الذي يتعلق بالجمع بين العقل و الشرع , و يتفرع عليه أن الأخلاق الإسلامية أخلاق كونية لأنها أخلاق مؤسسة لا مجتثة , و متعدية لا قاصرة , وشاملة لا محدودة , و الثاني ركن شق الصدر , و هو يتعلق بالجمع بينة العقل و القلب , و يتفرع عليه أن الأخلاق الإسلامية أخلاق عمقية , لأنها أخلاق تطهير لا تجميل , و تأهيل لا تثبيط , و تجديد لا تقليد؛ و بهذا تكون أوفى أخلاق بحاجة الحياة الخاصة للإنسان المنتظر؛ و الثالث ركن تحويل القبلة الذي يتعلق بالجمع بين العقل و الحس , و يتفرع عليه أن الأخلاق الإسلامية أخلاق حركية , لأنها أخلاق إشارة لا عبارة و انفتاح لا انغلاق و اجتماع لا انقطاع , فتكون أقدر أخلاق على هداية الإنسان , و بهذا فان الأخلاق الإسلامية أخلاق كونية لا محلية و عمقية لا سطحية و حركية لا جمودية , وكل أخلاق للإنسان تكون هذه هي سماته لا يمكن إلا أن تكون هي الأخلاق الحسنى.
إن ما يميز المشروع التجديدي للأستاذ طه عبد الرحمن أنه يعتمد على التوسل بأدوات بحثية علمية رصينة تستوفي شرائط النظر العلمي الصحيح , و تمكن من المناهج الحداثية و التراثية في إطار تقويمي غير مسبوق يحقق الشروط التكاملية و الشمولية في جملة إنتاجه المعرفي التجديدي , إلا أن هذا المشروع على الرغم من جدته و طرافته لم يحظ بالدرس و البحث من لدن أبناء الصحوة الإسلامية المعاصرة بسبب حراس الأصنام الفكرية المعدية للتجديد و الإبداع.