تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا كان هذا الخطيبُ هو رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم-: في كمال عقله , ورجاحة رأيه , وشَمَمِ جبالِ رزانته , ومضاء عزمه , وشدة حزمه , وقوّة بأسه في مواطن البأس , واستقامة جِدِّه , مما جعل ابتسامتَه السخيةَ لكل أحدٍ حَدَثًا هائلًا يستوجب النقلَ والتدقيقَ في وصفه وبيانِ حدود انفراج شفتيه الكريمتين بتلك الابتسامة: «حتى بدت أنيابه» , أو «حتى بدت أضراسه» , أو «حتى كادت تبدو نواجذه» , أو «حتى بدت نواجذه» , وأنه –صلى الله عليه وسلم- «في تبسُّمه ما رُئيت لَهَوَاتُه» (1) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=24&catid=202&artid=10602#1). وما ذاك؛ إلا أنها ابتسامةٌ من بين شفتي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في جِدِّه وحزمه وعزمه وعلو شأنه في ذلك كله!!

وإذا كان هذا الخطيبُ هو رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم- , والمنبرُ هو منبرَ رسولِ الله –صلى الله عليه وسلم- , والذي هو في درجاته الثلاث , أشرفُ منبرٍ عرفه الخطباء في تاريخ البشر , وأعلى منبر صُعّدت إليه الأبصار , وأسمى موضعٍ حفّت به قلوبُ المنصتين .. ما دام عليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. ثم لا يملك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذ رأى حفيديه يمشيان ويعثران من الصِّغَر , إلا أن يهبط عن منبره , وهو منبره! فهو هبوطٌ في كل درجة من درجاته الثلاث من السحاب إلى الأرض , والنازل الصاعد هو رسول الله –صلى الله عليه وسلم- , وأثناء خطبة لرسول الله –صلى الله عليه وسلم-!!! إن هذا الهبوط والصعود لهو كلحظةٍ يتوقّف فيها الزمن , أو تُحتبَسُ فيها الشمسُ عن الغروب , فهي لحظةُ هبوطِ وصعودِ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من منبر خطبته , ولحظةٌ توقّفت فيها خطبته –صلى الله عليه وسلم-!!!

الله أكبر!!! ما أعظم أبوّتك يا رسول الله!!!

ينزل –صلى الله عليه وسلم- من منبره , ويقطع ما انقطعت القلوب لسماعه من خطبته , وما تفتّت الأكبادُ منّا حسرةً على عدم حضوره ومشاهدته .. لماذا؟ من أجل أن يضمَّ حفيديه إلى جناحه , ويشمَّ عبقَ طفولتهما , ويُطفئَ حرارةَ شوقه إليهما!! وأمام ذلك الجمع الجليل , الذي توقّف الزمن لديه , وتجمّد الأوانُ عنده , حتى خشعت نبضات قلوبهم لذلك , وتسمّرت أحداقُهم على هذا المشهد الجليل فلم تَطْرُفْ.

إنه موقف لا يمكن أن تصفه العبارات , ولا أن تصوره الخيالات , ولا أن تستجمعه المشاعر.

إنها أُبُوّةُ ورحمةُ من وسعت رحمته العالمين "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" [الأنبياء:107] , ثم تتجلى هذه الرحمة في هذا الموقف النبوي الأبوي الكبير , ليكون موقفًا يتعلّم منه البشر أن الرحمة والأبوّة لا يجوز أن تغيب في كل ساعات الحياة , ولا يصح أن تضيع بين زحمة الأعمال , بل لا ينبغي أن تخفُتَ جذوتها المتّقدة في أي لحظة , ولو كانت لحظةً خُلقت للجِدِّ والحَزْم , وخُلقَ الجدُّ والحزمُ لها!!!

وبعد هذا الموقف النبوي الأبوي الكبير , هل يستطيع مَن في قلبه محبّة صادقةٌ للنبي –صلى الله عليه وسلم- أن لا يُحبَّ حبيبيه وريحانتيه السيّدين: الحسنِ والحسين رضي الله عنهما؟! بل هل يمكنه أن لا يخصهما في فؤاده بمنزلة كبيرة من الحُبّ؟! وهما من حلّا في فؤاد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تلك المنزلة الفاتنة من الحُب!!

إنهما الحبيبان ابنا الحبيبين , إنهما حفيدا أحبِّ مخلوقٍ لدينا: رسولِ الله –صلى الله عليه وسلم- , إنهما سيّدا شباب أهل الجنّة؛ فأُمهما: سيدة نساء هذه الأمة فاطمة الطاهرة ابنة رسول الله صلى الله عليهما وسلم , وأبوهما: علي بن أبي طالب الذي له مع المحبة أعظم أوسمة الشرف , فهو الذي أحبَّ اللهَ ورسولَه , وأحبه اللهُ ورسولُه , ولا يحبُّه إلا مؤمنٌ , ولا يبغضه إلا منافق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير