وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ سورة الأنفال آية رقم 2 , ولم يقل وجلت أدمغتهم , والطمأنينة والخوف عند ذكر الله كلاهما إنما يحصل بالفهم والإدراك.
وقد صرحت الآيات المذكورة بأن محل ذلك القلب لا الدماغ , وبُين في آيات كثيرة أن الذي يدرك الخطر فيخاف منه هو القلب الذي هو محل العقل لا الدماغ , كقوله تعالى: وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ سورة الأحزاب آية رقم10 , وقوله تعالى: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) سورة النازعات , وإن كان الخوف تظهر آثاره على الإنسان.
وقال تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) سورة الأعراف , ولم يقل ونطبع على أدمغتهم.
وقال تعالى: وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا سورة الكهف آية رقم 14 , وقال تعالى: وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) سورة القصص , والآيتان المذكورتان فيهما الدلالة على أن محل إدراك الخطر المسبب للخوف هو القلب كما ترى لا الدماغ.
والآيات الواردة في الطبع على القلوب متعددة:
قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) سورة المنافقون , ولم يقل فطبع على أدمغتهم , وكقوله تعالى: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) سورة التوبة
ولم يقل: على أدمغتهم.
وقال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ سورة النحل آية رقم 106 , والطمأنينة بالإيمان إنما تحصل بإدراك فضل الإيمان , وحسن نتائجه وعواقبه , وقد صرح في هذه الآية بإسناد ذلك الاطمئنان إلى القلب الذي هو محل العقل الذي هو أداة النفس في الإدراك , ولم يقل ودماغه مطمئن بالإيمان.
وقال تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) سورة الحجرات , ولم يقل في أدمغتكم.
وقال تعالى: أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ سورة المجادلة آية رقم 22 , فقوله: ولما يدخل الإيمان في قلوبكم , وقوله كتب في قلوبهم الإيمان , صريح بأن المحل الذي يدخله الإيمان في المؤمن , وينتفي عنه دخوله في الكافر إنما هو القلب لا الدماغ , وأساس الإيمان إيمان القلب , لأن الجوارح كلها تبع له كما قال صلى الله عليه وسلم: إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله , وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب.
فظهر بذلك دلالة الآيتين المذكورتين على أن المصدر الأول للإيمان القلب , فإذا آمن القلب آمنت الجوارح بفعل المأمورات وترك المنهيات , لأن القلب أمير البدن وذلك يدل دلالة واضحة على أن القلب ما كان كذلك إلا لأنه محل العقل الذي به الإدراك والفهم كما ترى.
وقال تعالى: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) سورة البقرة آية رقم 283 , فأسند الإثم بكتم الشهادة للقلب , ولم يسنده للدماغ , وذلك يدل على أن كتم الشهادة الذي هو سبب الإثم واقع عن عمد , وأن محل ذلك العمد القلب , وذلك لأنه محل العقل الذي يحصل به الإدراك , وقصد الطاعة وقصد المعصية كما ترى.
¥