[اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار .. ضعيف جدا]
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[07 - 11 - 07, 11:32 ص]ـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد.
فإن هناك الكثير من الأذكار والأدعية التي يحفظها الناس ويرددونها في مواضع معينة؛ ظنا منهم أنها مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها في الحقيقة لا تكون كذلك! ومن هذه الأدعية ما يقال قبل الطعام (اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار)
وهذا الدعاء قد رواه ابن السني رحمه الله في عمل اليوم والليلة (ج2 ص372 الشاملة) وابن عدي رحمه الله في الكامل (ج6 ص206 الشاملة) من طريق محمد بن أبي الزعيزعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الطعام إذا قرب إليه: «اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، وقنا عذاب النار، بسم الله»
:.
ومحمد بن أبي الزعيزعة هذا ضعيف جدا:
قال عنه الذهبي رحمه الله في ميزان الاعتدال (ج3 ص548):
(محمد بن أبي الزعيزعة.
عن عطاء، ونافع.
وعنه محمد بن عيسى ابن سميع فقط.
قال أبو حاتم: منكر الحديث جدا، [وكذا قاله البخاري].
وقال أبو حاتم: لا يشتغل به.
وقيل: كان من أهل أذرعات.)
ثم ذكر بعضا من مناكيره وأتى بهذا الحديث مثالا عليها.
وقال عنه ابن حبان رحمه الله في المجروحين (ج2 ص289): (محمد بن أبى الزعيزعة:شيخ يروى عن أبى المليح الرقى، روى عنه أهل العراق، دجال من الدجاجلة كان يروى الموضوعات.)
لذلك فالحديث لا يصح، وحتى من يقول بجواز العمل بالضعيف في الفضائل، فإنه يشترط عدم شدة الضعف، وكما رأينا فالحديث شديد الضعف.
لكن قد روى الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده (ج4 ص408 الشاملة) والترمذي رحمه الله في سننه (كتاب الدعوات - باب ما يقول إذا أكل طعاما) وابن السني رحمه الله في عمل اليوم والليلة (ج2 ص405 الشاملة) وابن سعد رحمه الله في طبقاته (ج1 ص396 - 397) من طريق إسماعيل بن إبراهيم ثنا علي بن زيد عن عمر بن حرملة عن ابن عباس قَالَ
دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى مَيْمُونَةَ فَجَاءَتْنَا بِإِنَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى يَمِينِهِ وَخَالِدٌ عَلَى شِمَالِهِ فَقَالَ لِي الشَّرْبَةُ لَكَ فَإِنْ شِئْتَ آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا فَقُلْتُ مَا كُنْتُ أُوثِرُ عَلَى سُؤْرِكَ أَحَدًا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ الطَّعَامَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مَكَانَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ غَيْرُ اللَّبَنِ
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وأخرجه ابن ماجة رحمه الله في سننه (رقم 3322) من طريق هشام بن عمار ثنا إسماعيل بن عياش ثنا ابن جريج عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس وذكرا الحديث.
وذكر العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (انظر الحديث رقم 2320) أن أبا عبد الله بن مروان القرشي رحمه الله رواه في الفوائد بنفس سند ابن ماجة إلا أن ابن زياد تابع ابن جريج في الرواية عن ابن شهاب.
مناقشة السند الأول
والسند الأول ضعيف لما يلي:
1 - ضعف علي بن زيد بن جدعان (انظر تهذيب التهذيب ج7ص284)
2 - لم يوثق ابن حرملة إلا ابن حبان وكان يوثق المجاهيل (انظر تهذيب التهذيب ج7 ص379)
مناقشة سند ابن ماجة
وهذا السند أيضا ضعيف لما يلي:
1 - إسماعيل بن عياش رحمه الله ثقة فيما يرويه عن الشاميين لكنه يغرب في الرواية عن ثقات المدنيين والمكيين (انظر تهذيب التهذيب ج1 ص281) وابن جريج رحمه الله مكي!
2 - عنعنة ابن جريج رحمه الله وكان مدلسا وكما قال الدارقطني رحمه الله (تهذيب التهذيب ج6 ص359): تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح مثل ابراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما.
مناقشة سند عبد الله بن مروان القرشي
وهو كسند ابن ماجة إلا في متابعة ابن زياد لابن جريج:
وقد قال العلامة الألباني رحمه الله إن ابن زياد هذا إما أنه محمد بن زياد الألهاني أو عبد الرحمن بن زياد الإفريقي
مناقشة الاحتمال الأول
إن كان ابن زياد هذا هو الألهاني فإن السند سيكون صحيحا؛ لأنه ثقة شامي (تهذيب التهذيب ج9 ص150)، فبالتالي ستكون رواية إسماعيل بن عياش عنه صحيحة، وابن زياد ليس مدلسا فستقبل عنعنته عن ابن شهاب الزهري.
مناقشة الاحتمال الثاني
أما إن كان ابن زياد هذا هو عبد الرحمن بن زياد الإفريقي فالسند ما زال ضعيفا لسببين:
1 - لضعف الإفريقي ذاته (تهذيب التهذيب ج6 ص157)
2 - لكونه إفريقيا فستكون رواية إسماعيل بن عياش عنه ضعيفة.
وقد حسن الترمذي رحمه الله الحديث - وكأنه حسنه بمجموع الطريقين - وأيضا حسنه الألباني رحمه الله بمجموع الطريقين، لكن والله أعلم في نفسي من هذا التحسين شيء، لكن على أية حال فمن أخذ به فلا شيء عليه؛ لأن مذهب جمهور العلماء هو الأخذ بالضعيف في الفضائل.
الخلاصة
أن الدعاء المشهور قبل الطعام (اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار) لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم بل الحديث ضعيف جدا، وقد روي بسند ضعيف - وإن كان حسنه بعض العلماء - أنه يقال قبل الطعام (اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه) ويقال قبل شرب اللبن (اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه) وتبقى التسمية قبل الطعام هي التي اتفق عليها العلماء فقد رويت في الصحيحين وغيرهما، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه وسلم.
¥